زيتون – عز الدين زكور
شهدت مدينة داريا في الأيام الأخيرة التي سبقت خروج الأهالي منها حصاراً خانقاً، وأصبحت أشبه بتجمع سكاني يموتُ ببطيء، وفعلَ الحصار فيها أشكالاً مختلفة من المعاناة والألم حسب شهادات مقاتلين ومدنيين مهجرين من المدينة وصلوا إلى إدلب.
بعد أن اشتد طوق الحصار المفروض من قبل قوات الأسد والمليشيات الموالية لها وضيق المساحة المحاصرة شيئاً فشيئاً نتيجة زحف النظام بقواته واتباعه لسياسة الأرض المحروقة، لاحت بوادر مأساة إنسانية مخزية بما تحمله المأساة من معانٍ عميقة عاشتها داريا،تمثّلتبشحّ المواد الضرورية للعيش.
يقول أبو كنان، وهو مقاتل في صفوف إحدى التشكيلات العسكرية الموجودة في المدينة في حديث لـ «زيتون»: إن وجبات الطعام لدى العائلة ”الدارانية” أثناء الحصار اقتصرت على وجبة يومياً في الحال الممتاز والوجبة هي الشوربة، وفي بعض الأحيان حتى هذا الطعام لا يتوفر، وكم من عائلات التي كانت تمرّ عليها أياماً بلا طعام.
مضيفاً: الخبز غيرمتوفر في المدينة منذ أكثر من سنة فضلاً عن توفرها قبل تلك الفترة من المعضمية التي كانت تعيش في بحبوبة معيشية بعد سريان اتفاق مصالحة فيها مع النظام.
وحول الأسعار داخل المدينة المحاصرة يقول:بعض المواد الغذائية في حال توفرت فأسعارها خيالية، حيث وصل الأرز إلى 12000 ليرة سورية، والبرغل لـ 10000، أما السكر إلى 100 دولار أمريكي للكيس، وهي مواد مخزّنة خلال الفترة التي سبقت قطع الطريق الواصل بين داريا والمعضمية، باختصار في داريا كنا نأكل فقط لنعيش لا لنشبع.
في الأيام الأخيرة للحصار، بدأت تنفذُ المحروقات، وأسعارها صارت عالية حيث بلغ سعر برميل المازوت مليون ليرة سورية وفق ما أكد أبو خالد، وهو أحد الواصلين من هناك، مضيفاً:لقد ابتكرنا خلطة مكونة من مواد أولية وبلاستيكية بديلة عن المحروقات للآليات العسكرية ومولدات الكهرباء، أما خدمة الانترنت فكانت متوفرة من منطقة صحنايا ودمشق وعمد الأهالي لتوفير الانترنت بشكل جيد لابتكار أساليب بدائية و بمعدات محلية.
يقول أبو صياح: قمنا بصناعة نواشر بثقب إناء طبخ المجوّر ووصله بأسلاك محركات التلفاز لتقوية الإشارة وبهذه الطريقة يتم تأمين الانترنت.
وأضاف: كنّا نعتمد بشكل أساسي في تأمين الماء والكهرباء على المولدات حيث عمدت كل كتيبة متواجدة في المدينة أن تخدّم القاطع أو الجبهة المتواجدة فيها بالكهرباء، أما الأهالي فإنهم يتشاركون فيما يينهم على مولدة تغذي حارة أو تجمع معين من المنازل، أما بالنسبة للماء فإن المجلس المحلي كان يُشرف على تأمينها.
خلال الأشهر الأخيرة عمد النظام لفصل داريا عن المناطق المحيطة، من خلال مراقبة كل المنافذ مراقبة شديدة، يتحدث أبو أحمد مقاتل من مقاتلي المدينة أن النظام فعل ما بوسعه ليقطع الطريق الواصل بين داريا والمعضمية لتضييق الخناق وقطع كافة طرق الإمداد العسكرية والحيوية التي تؤدي إلى المدينة، حيث تعتبر المعضمية فضلاً عن الهدنة الموقعة فيها مع قوات الأسد المصدر الأساسي والوحيد لكافة المواد الغذائية و التموينية وحتى المحروقات لمدينة داريا.
وأشار أبو أحمد إلى أن أغلب محاولات النظام المدعومة بسلاح الجو وبمليشيات طائفية بائت بالفشل إلى أن نجح بداية العام الجاري بفصل المدينتين، مضيفاً أن الضغوطات و التهديدات التي تعرضت لها المعضميةمن قبل قوات الأسد لعبت دوراً كبيراً بذلك.
دخلت داريا بعد سقوط الطريق الواصل بينها وبين المعضمية فصلاً جديداً من المعاناة والحصار والألم بعد فقدان الخزان الأساسي للمدينة وشيئا فشيئاً باتت الرقعة المحاصرة في المدينة المنكوبة تضيق على السكان والمقاتلين والمواد المخزنة تنقص مع مرور أيام الحصار.
القصف الجنوني على المدينة:
أكد أبو غيث الشامي، وهو ناشط إعلامي من المدينة أن أكثر من 50 برميل متفجر كحد أدنى كانت تقصف به المدينة يومياً دوناً عن القذائف والصواريخ بعيدة المدى وقال إن المكتب الإعلامي تعرّض لقصف بقنابل النابالم المحرم دولياً في ذات الليلة التي قصف بها المشفى الوحيد في المدينة وأوضح أن الأهالي كانوا يعمدون للاختباء في الأقبية والملاجئ.
ويقول الناشط الإعلامي تمام أبو الخير: إن ما يقارب الـ 9007 برميلاً قصفت به داريا ضمن مساحة وصلت في أيامها الأخيرة لأقل من 2 كلم مربع.
وبحسب إحصائية دقيقة حصلت عليها زيتون من داخل المدينة خلال أيام الحصار الـ 1373 يوما، فإن عدد الشهداء 2563 مدنياً بالإضافة إلى 36 مسجداً دُمّرت بشكل كامل.
في حين بلغ عدد أسطوانات النابالم الحارق التي سقطت على المدينة 3782 أسطوانة ووصلت أعداد البراميل المتفجرة إلى 9007 برميلاً أما قذائف الهاون والمدفعية بلغت 21245 قذيفة و4685 صاروخ أرض أرض.
يقول الناشط الإعلامي تمام أبو الخير: صراحة كتبت كثيراً عن الموضوع ولم أكن أتوقع هكذا استقبال سواء أكان من المدنيين أو المقاتيلن أو كواد طبية وأغاثية ومنظمات إغاثية، و لا أستغرب هذا الشيء لأن داريا قدمت وتستحق هذا التقدير والكرم الإدلبي الذي وجدناه غير محدود.
وعن العدد الذي وصل إلى إدلب يقول: عدد العوائل التي وصلت لإدلب وصل لأكثر من 100 عائلة، ليس لدي العدد الدقيق لأن القسم الأكبر ذهب لمنطقة الحرجلةفي الغوطة الغربية وهي أقرب منطقة تحت سيطرة النظام للمناطق المحررة، تم تأمين مساكن مجهزة بشكل مباشر للأهالي الوافدين بالتنسيق مع بعض المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال توزعت في مناطق مختلفة في ريف إدلب، أما بالنسبة للمقاتلين فأعدادهم تتراوح بين 800 إلى 900 مقاتل.