له عشرون مجموعة شعريّة، منها: «والليل الذي يسكنني»، وسبعة كتب نثريّة من بينها: «دفاعاً عن الجنون»، وروايتان، إحداها بعنوان: «أعدائي»، كما ترجم عن الإنغليزيّة ثلاثين كتاباً في شتّى صنوف المعرفة، ككتاب «التعذيب عبر العصور»، وفي الدراما التلفزيونيّة كتب أكثر من خمسين سيناريو، لعلّ أشهرها مسلسل «الزير سالم»، أمّا في التأليف المسرحيّ فقد ألّف «ممدوح عدوان» أكثر من ستّة وعشرين مسرحيّة، كان آخرها مجموعة مسرحيّات قصيرة بعنوان «الكلاب» بعد أن درّس مادّة الكتابة المسرحيّة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة بدمشق منذ عام 1992 وحتّى ربيع 2003 حين أكتشف إصابته بمرض السرطان، وتوفّي بعدها في نهاية عام 2004.
ربّما لم يترك «عدوان» نوعاً أو شكلاً من المسرح دون أن يقتحمه كاتباً، ففي المسرح الشعريّ كتب «المخاض» وفي التاريخيّ كتب «الغول»، وكان لشراكته مع «زيناتي قدسيّة» أثراً كبيراً في اتجاهه نحو المونودراما حين كتب «حال الدنيا» وأتبعها بمجموعة من النصوص التي أخرجها ومثّلها «قدسيّة» ونالت حظّها من المشاهدة والجدل، فقد كان لتدخّل «عدوان» أثناء التدريبات المسرحيّة (البروفة) دور رئيسيّ، كعادته في جميع العروض التي قدّمت له وخصوصاً في المسرح القوميّ بدمشق، حين كان «محمود خضّور»، مخرج المنوّعات، يخرج نصوص «عدوان» إذ كان الأخير يضع يده في كلّ تفصيلات العرض، ولا يسمح لـ «خضّور» أن يتصرّف بأيّة جزئيّة في العرض دون موافقته.
لكنّ النقاش الفنّيّ حول النصّ والعرض كان يأخذ اتجاهاً إبداعيّاً في المونودراما مع «قدسيّة» لدرجة إعادة كتابة وترتيب النصّ، كما في «حال الدنيا» فقد نشر «عدوان» النصّ أوّلاً في مجلّة «المعرفة» ولكنّ ما شوهد في العرض بعد ذلك بعام على مسرح القبّانيّ كان نصّاً آخر تقريباً؛ فقد تمّ تبديل تسلسل سرد الأحداث على لسان الشخصيّة على عكس الترتيب في النصّ المنشور سابقاً!
وإذا علمنا أنّ الحكاية مبنيّة أساساً على التداعيات التي يسردها الرجل الذي عاد للتوّ من دفن زوجته لنكتشف – من خلال الحكي– أنّه قد قتلها؛ لأدركنا مدى التغيير الحاصل على العمل أثناء إخراجه.
هكذا تجد «عدوان» انقلابيّاً حتّى على نفسه، مبدعاً باستمرار وهو الشيء الذي لم يصل إليه «محمود خضّور» فكان منفّذاً (فقط) لمعظم أعمال «عدوان» ولم يستطع كشف عوالمه أو حتى مقولاته، رغم المعرفة والصداقة اللتان تعودان إلى عديد السنوات فيما بينهما، فبالإضافة إلى سرّ الإبداع غير المتوفّر عند «خضّور» هنالك تملّق السلطة ومديحها لديه، على النقيض المعروف عند «عدوان» وقد ظهر ذلك جليّاً عندما أقدم «خضّور» على إخراج «الكلاب» على مسرح حلب القوميّ عام ربيع 2007 (أي بعد وفاة ممدوح عدوان) ففي اللوحة الأولى نجد حارس حديقة يحاول منع دخول كلب إلى الحديقة، لكنّ مرافق الكلب يحصل على استثناء بالدخول فالكلب كلب سفير إحدى الدول الأجنبيّة، وتحت حجة أنّ المنع سيؤدّي إلى تشويه العلاقات مع تلك الدولة، يدخل الكلب ومرافقه، ولكنّ حارس الحديقة يعتبر أنّ منح هذا الاستثناء يمسّ بالسيادة الوطنيّة فيدسّ سمّاً للكلب في قطعة من اللحم، لكّن الكلب لا يأكلها، بينما يأكلها المرافق، الذي يقول وهو يحتضر مسموماً: الحمد لله أنّي أكلتها أنا ولم يأكلها الكلب!.
ولكم أن تقدروا هنا حجم سخريّة «عدوان» من طريقة السلطة في طرح مفهوم السيادة الوطنيّة، فيما رأى «خضّور» أنّ «هذه اللوحة المسرحيّة تعبّرعن الضغوط التي تمارسها بعض الدول العظمى على الدول الصغرى، عبر وسطاء ومراكز قوى تسهّل لها تدخّلها السافر في شؤونها الداخليّة»!
ويضيف «خضّور» مفسّراً اللوحة: «كما تدين انحطاط القيم والتفاوت الطبقيّ الذي يهبط بالإنسان إلى الحضيض في الوقت الذي يعلي فيه من شأن الكلاب، لا لأنّها مجرّد كلاب، بل لأنّها كلاب الخاصّة وأصحاب النفوذ والقرار»!
ومن عجائب هذا العرض، أداء الممثّلين المخجل وتحويل «خضّور» لغة العرض إلى اللهجة العامّية الحلبيّة مع أنّ لوحات فيه تدور أحداثها لشخصيّات أميركيّة في نيويورك! وهل كان ليجرؤ على ذلك لو أنّ «ممدوح عدوان» حضر؟
بشار فستق