مع إعلان القضاء المصري الرسمي، حكمه بالإعدام، على أول رئيس منتخب، وصل بطريق الانتخابات عبر صناديق الاقتراع، في تاريخ مصر، يبدو أن صفحة جديدة من تاريخ الاستهتار بالإرادة الشعبية والوحدة الوطنية آخذة في طريقها نحو المزيد من التفكك والانهيار في تاريخ دولة مصر المعاصر.
لم أفاجئ بما وصف بأنه أكبر مهزلة قضائية، حتى وقت قريب ضمن أروقة ما وصف بأنها السلطة المستقلة عن الأوضاع السياسية في جمهورية مصر العربية الشقيقة.
حيث تم وبكل وقاحة سابقاً الإعلان عن براءة المخلوع، حسني مبارك وأولاده وطاقمه الوزاري، الذي أغرق وأوصل البلاد، لحالة متردية ومتأخرة، من الانهيار والفقر وضياع الطبقة الاجتماعية المتوسطة، وحصر المجتمع المصري، بين طبقة مسحوقة هي غالبية الشعب المصري البسيط، وقلة قليلة هي الطبقة العليا بالمجتمع، وقتل أيضاً في ظل حكمه العشرات من المتظاهرين، إثر بدء الربيع العربي، ولم يعرف لدمهم حرمة ولا صاحب مسؤولية.
أول ما جال بخاطري كان مراجعة عامة عن الأنظمة العميلة، كدول التعاون الخليجي، التي سهلت ومررت عملية اغتصاب السلطة الشرعية، من الرئيس المنتخب، ممثلة بودائع مليارات من الدولارات، التي ضخت في البنوك المصرية، كي تشجع على امتصاص أي قلقلة اقتصادية ستكون من تتالي ردات الفعل الشعبية، والمظاهرات التي تم توقع انطلاقها عقب الإعلان عن اعتقال الرئيس المنتخب.
إنها الدول التي تبحث،ويتم تحت رعايتها، افشال أي رائحة للربيع العربي، الذي يحلم بالتغيير، تحتاج هذه الأنظمة لتابعين سياسيين أذلاء من قبيل السيسي، يطلب منها الرضى في الصباح والمساء.
من المعلوم أن أنظمة الخليج تخشى من انتشار تيار الاخوان بين شعوبها، الذي يحمل فكرا ًمناهضاً للملكيات العربية التقليدية، فلم تمنح هذا التيار أي فرصة للنجاح والنهوض بواقع مجتمعه وتدعيمه، بل على العكس، ساندت وتواطئت، وبكل ما يمكن للكلمة أن تعنيه، على اخماده في مهده.
معروف عن كاتب هذه الكلمات، عدم اتفاقه مع التيار الإخواني، الذي يخلط عالم السياسة بالتعابير والمصطلحات الدينية، ولذك وجب التفريق بين الدفاع عن الشرعية الانتخابية ونتائج الانتخابات، مع الانحياز للحزب الإخواني، الذي أسهم عبر تكريسه لمفهوم السلطة، والتهافت للاستيلاء على الشارع، في ظل ثورة تأخر في فهم مكوناتها الأساسية، ولم تحاول رموزه السياسية ما فيه الكفاية، لتشد اليها المواطنين، عبر التكريس التدريجي لمفاهيم تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي، ومحاولة انتظار نشوء قيم تستوعب أن السلطة هي عملية تبادلية، والمساهمة بترسيخ المواطنة، ورفع مستوى الوعي الديني والوطني، ليرتفع الوعي الشعبي بحقوقه وواجباته، بحيث تحدث عملية انتقالية وتدريجية للمجتمع، تتوضح فيها معالم صورة سياسية جديدة جلية وواضحة، لكل أبناء الشعب، طمسها العهد السابق، كما هي عادة كل السلطات العربية المجرمة، ليكون المشهد مختلطاً على المتابعين، حتى من الانحياز للوقوف ضد سلطة العسكر الانقلابية بكل صفاقة، بما بات يعرف بالثورة المضادة لدى الشعب المصري في ثوريته التي أسقطت فرعوناً كبيراً من وزن مبارك، ومن ثم اعادته للحياة العامة بكل وقاحة وصلف وغرور.
يظهر السيسي، مغتصب الشرعية المصرية، بكل سذاجة، ليواجه الشعب المصري بقلب بارد بمشاريع وهمية وغير مبال، بتحقيق النقلة النوعية التي يستحقها الشعب المصري العظيم، ويبدو عبر استخفافه بالتظاهرات الشعبية التي استمرت بالتناوب للظهور على مسرح الأحداث، مع النسبية العددية التي تقلصت نوعاً ما عبر كل الاعتقالات والتجاوزات من قبل رجال أمنه وسلطانه، أنه ماض في تثبيت نتائج الانقلاب، وأنه ذاهب باتجاه التصعيد مع السماح بمثل هذا الحكم القضائي الجبان والذي جعل من القضاء المصري أضحوكة بين دول العالم، المتقدم والمتأخر، على حد سواء.
لا يمكن أن أصف بالكلمات تلك المشاعر التي انتابتني من مشجعي الانقلاب من اليساريين ومن حتى شركاءهم في التيار الصوفي الجبان، والذين تابعوا دس رؤوسهم بالرمال من مواجهة وعاقبة نتاجهم بتأييد الانقلاب نكاية بحزب الاخوان. هؤلاء الذين هللوا لجعل الحزب من الأحزاب المحظورة في جمهورية مصر العربية، هم أنفسهم من سيدفعون بمشاركة القائد الأكبر للانقلاب البلاد للمزيد من الفوضى والمزيد من الانفلات وتباطئ عجلة الإصلاح، تحت باب النكاية السياسية بتيار يحمل ما يحمل من وجود على الأرض المصرية، ربما لم يستثمرها بشكل يعلنه لاعباً اساسياً متمكناً في المسرح السياسي للبلاد.
من المعلوم أن عالم السياسة عالم قذر بما يحدث خلف المسرح من أحداث وتجاذبات واستقطابات، وسيتم في فترة لاحقة جعل ملف اعدام الرئيس المنتخب والشرعي للبلاد ملفاً لشراء المواقف السياسية في محاولة استرزاق لتهدئة الشارع الذي ناله ما نال من عواصف واحتقار واستهانة بخياره والانقلاب عليه ومن ثم محاولة اعدام خياراته عبر الحكم بإعدام أول رئيس شرعي منتخب للبلاد.
عبد الكريم أنيس