زيتون – أسامة العيسى
سجلت مدينة داريا الواقعة بريف دمشق الغربي أنموذجاً اختصر عمق حالة الصراع الدائرة في سوريا على مدار أكثر من أربع سنوات، بما في ذلك تفرعاتها الممتدة بين الداخل السوري والميدان الإقليمي وصولاً إلى المجال الدولي.
مع تبدل أوراق اللعبة السياسية والميدانية عبر الانسحاب الأخير للفصائل المسلحة من داريا ودخول قوات الأسد وميليشياتها إلى المدينة، ظهر في الأفق على ما يبدو فرز إرهاصات مرحلة أخرى من الصراع الممتد في طوق العاصمة الجنوبي والجنوبي الغربي وصولاً إلى عمق الجنوب نفسه، ربما من شأنه أن يزيد عوامل الحرب في مدينة شهدت أطول مرحلة من القتال منذ بداية الثورة في آذار 2011م.
داريا نقطة انطلاق
الأخبار الواردة لـ «زيتون» عقب تنفيذ الاتفاق تفيد بأن هدوءاً حذراً يسود محاور مدينة داريا منذ الخميس الماضي، وحتى تاريخه، فيما بدأت القوات الموالية تنفيذ خطة أمنية وعسكرية جديدة محكمة انطلاقاً من داريا نفسها ومحاور أخرى قريبة امتداداً إلى عمق محور ريف دمشق باتجاه مدخل العاصمة الجنوبي عبر منطقة صحنايا والكسوة وحرجلة القريبة من الأوتوستراد الدولي دمشق – درعا.
ياسمين دمشقي، ناشطة ميدانية تقول: «مغادرة الثوار لمدينة داريا هي خسارة طبعاً بكل المقاييس لا سيما العسكرية منها، وهو عامل مهم لعب عليه النظام وحلفائه الإقليميين والدوليين وفي مقدمتهم روسيا التي لعبت على حبل الصراع القائم في داريا من خلال إيصال الثوار العاملين هنا إلى مرحلة اضطروا معها إلى ترك سلاحهم ومغادرة المدينة، لكنهم وأقصد الثوار في داريا أنفسهم لم يكونوا خاسرين في المنظور العسكري لأنه عندما يواجه 800 مسلح جيش مدعوم من إيران وروسيا وبيده سلاح الجو والبر والبحر فهذا نصر حقيقي».
وتضيف دمشقي: «مسألة سقوط داريا عمل عليها النظام وحلفائه كما أشرت عبر اللجوء إلى سياسات الهدن وتبريد الجبهات، لا سيما جبهات الغوطة الشرقية وأقصى الجنوب جنوباً وإلى الجنوب الغربي، وأقصد بالأخير جبهات كل من درعا والقنيطرة، فالجميع يعلم أنها جبهات ميتة حالياً ولا قتال فيها نتيجة مخطط عملت عليه كل من أمريكا وروسيا، وانتهى هذا المخطط بشكل بسيط بوجود المقاومة في داريا لوحدها وسط هذا القصف والمواجهات غير المنقطعة».
إذعان أم نصر
إنهاء ملف داريا جاء بعد مفاوضات أدارتها ما تسمى «لجنة المصالحة» متصلة بوزارة المصالحة الوطنية التابعة للأسد، حيث توصلت إلى التزام من جيش النظام بوقف عملياته العسكرية، مثله مثل فصائل المعارضة التي أبدت استعدادها لذات الأمر من أجل إعطاء فرصة لحل لم يشمل المدينة على الرغم من الحلول التي تم التوصل إليها في محيطها سابقاً، وهو ما اعتبره العديد من الناشطين السوريين بأنه خطوة إذعان من المعارضة للنظام، فيما عده آخرون نصر من نوع آخر لثوار داريا.
وتشير المصادر الخاصة لزيتون أن انعكاسات أخرى ستلقي بظلالها على المشهد العسكري في محاور الجنوب السوري خلال الأسابيع القادمة، نحو مزيدٍ من التأزيم في جانب تمدد رقعة سيطرة القوات الموالية على حساب المعارضة التي لا زالت تخسر مزيد من مواقعها على محاور الجنوب ككل والتي كان آخرها مدينة داريا.
جبهات باردة
همام حوراني، ناشط من درعا يقول: «نحن نعلم أن النظام نجح في إقناع فصائل المعارضة عبر روسيا التي تدير الأمور عن طريق حليفتها المقربة أمريكا بأنه لا أمل من استمرار المعارضة في فتح المعارك، ولذلك ترى الآن الجبهات باردة في كل درعا من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، باستثناء مواجهات متقطعة بين هناك وهناك لحفظ ماء الوجه».
ويتابع حوراني بالقول: «لا شك بأن انعكاسات سقوط داريا ستلقي بظلالها على واقع العمل العسكري في درعا والقنيطرة، لأن داريا كانت عقد الوصل الأهم حتى عمق ريف العاصمة باتجاه عرطوز وكانت منطقة تهديد فعلي للنظام على مدار السنوات الأربعة الفائتة، بينما الآن أعتقد أن الوضع اختلف.. على المعارضة أن تعيد حساباتها لا سيما في الجنوب لتلحق بركب الشمال، وإلا فالقادم سيء».