ريف إدلب ـ «القدس العربي»: تواصل المعارضة السورية المسلحة التقدم في المناطق المتبقية بيد النظام في ريف إدلب، وتسيطر على حاجز الفنار الاستراتيجي (أعلى قمة جبل الأربعين) وبلدة مصيبين، شرق مدينة أريحا. وهذا إضافة لعملية تكتيكية خاطفة تسلل خلالها مقاتلو ثوار الشام وجيش الإسلام وكتائب أبو عمارة إلى حاجزين لقوات النظام في بلدة محبل حيث قتلوا نحو 15 عسكرياً بينهم ضابط برتبة رائد.
وأطبقت المعارضة المسلحة الخناق على مستشفى جسر الشغور الوطني، بعد أن سيطرت على حاجزي الخدمات الفنية ومدرسة الزراعة جنوب المستشفى على طريق اشتبرق – السرمانية، واقتحام مبنى العيادات على مدخل المستشفى من جهة الغرب.
وكان النظام السوري قد شيع قبل أيام قائد القوات الخاصة السورية في مسقط رأسه في محافظة طرطوس، معلناً مقتله في معارك جسر الشغور التي بدأت منذ أقل من شهر.
ويحتل المستشفى حيزاً خاصاً من الاهتمام نتيجة الضخ الإعلامي الذي يقوم به النظام حول معركة المستشفى، الذي يصفه بـ»القلعة الحصينة» ويطلق على قواته المتبقية فيه تسمية «حامية مستشفى جسر الشغور»، والتي تمجّد وسائل إعلام النظام السوري ما تسميه «صمودها الأسطوري».
وخص بشار الأسد مستشفى جسر الشغور بكلمة في السادس من مايو/ أيار ، وتعهد «بتحرير جسر الشغور من قبضة داعش»، مؤكداً «أن الجيش السوري سيصل قريبا إلى الجنود المحاصرين في مشفى جسر الشغور».
لكن الواقع الميداني يخالف ما وعد به وتمناه الأسد، اذ كثّف مقاتلو المعارضة هجماتهم على المستشفى وفجروا فيه سيارتين مفخختين وظهر مبناه الرئيسي في تسجيلات مصورة وكأنه تحول الي أنقاض.
ويتألف مبنى المستشفى الرئيسي من كتلة خرسانة كبيرة مدعمة بشكل كبير، ويضم ثلاثة طوابق فوق الأرض وطابقا واحدا سفليا كامل البناء تحول الى مقر قيادة العمليات، كما يقول الطبيب عمار رحال الذي كان يعمل فيه.
ويضيف رحال في تصريح لـ»القدس العربي»: «منذ عام تحول المستشفى إلى ثكنة عسكرية بالكامل، اذ طردت قوات الأسد المدير الفني للمستشفى وأغلقت بعض الأقسام الطبية. وزاد حجم القوات العسكرية والشبيحة المتواجدين فيه بعد أن كان تواجدهم مقتصراً على مبنى العيادات الخارجية التي حولها الأمن العسكري إلى مقر أساسي له».
ويؤكد الدكتور رحال أن «قبو العيادات تحول إلى معتقل يقوم الأمن العسكري بسجن المعتقلين وتعذيبهم داخله».
من جهته، صرح أبو يوسف الناطق الرسمي باسم جيش الفتح لـ»القدس العربي»: «المستشفى في حكم المنتهي، وتأخر سيطرتنا عليه هو بسبب القصف المكثف بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، فضلاً عن تركيزنا العملياتي على معسكر المسطومة ومدينة أريحا. وقد أحرزنا تقدماً كبيراً في تلك الجبهة، إذ سيطرنا على حاجز الفنار وبلدة مصيبين، وأصبحت مدينة أريحا كاملة بيد جيش الفتح».
وحاولت قوات النظام مدعومة بغطاء ناري غير مسبوق التقدم من محور بلدة فريكة إلى معمل السكر الواقع على المدخل الشرقي لمدينة جسر الشغور، لكن قوات المعارضة المنضوية تحت مسمى «جيش النصر» صدت هجومها بعد تدمير دبابات النظام وإلحاق خسائر كبيرة فيها.
وتقدمت قوات المعارضة ليلة الخميس الماضي لتسيطر على قرية الكفير جنوب شرق جسر الشغور، والتي يفصلها عن المدينة نهر العاصي فقط، وتمتد على عدة تلال.
وتحدث النقيب محمد باجيكو، القيادي في الفرقة الأولى الساحلية، عن سير العمليات العسكرية قائلاً: «كثفنا قصفنا لمناطق النظام في قرية الكفير، بينما استطاع مقاتلو غرفة عمليات جيش النصر دحر قوات النظام وشبيحته من القرية الواقعة على الضفة الشرقية لنهر العاصي الشرقي، وإبعادهم عن مستشفى جسر الشغور المحاصر، ليسيطر جيش الفتح على التلال المطلة على طريق النظام باتجاه فريكة – الغاب».
وعن الانعكاسات السياسية لتحرير جسر الشغور، قال جورج صبرة، رئيس المجلس الوطني السوري وعضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، في حديثه لـ»القدس العربي»: «إن تحرير مدينة جسر الشغور ذات الموقع الاستراتيجي له ما بعده في مجريات الوقائع والأحداث العسكرية والسياسية في سياق الثورة، حيث أصبحت قوى الثورة المقاتلة على تماس مباشر مع محافظة اللاذقية التي يعتبرها النظام حصنه المنيع وحاضنته الاجتماعية. وبالتالي ستكون ساحة الصراع في المرحلة القادمة في القرداحة وما حولها حيث ينام النظام على حرير ولاء خادع ومتآكل. وبالتالي تتبدد كل أوهامه حول وجود منطقة استحكام أو تمترس، تساعد على فرض شروطه للتسوية أو توضع كنقطة ارتكاز لأفكار انعزالية وتقسيمية، يمكن أن يفكر فيها المجرمون من أهل النظام».
وأضاف صبرة: «تحرير سهل الغاب يحرّر سوريا من كذبة حماية النظام للأقليات، ويحرر الأقليات من تزييف النظام لموقفها ومصادرته لرأيها وموقفها، ويكشف عن جوهر وطنية الثورة السورية وطائفية نظام التسلط والقمع، ويكشف أمام الجميع أن النظام غير معني إلا بنفسه. فلا يهتم بمصير الأقليات ولا بمصير الطائفة التي احتمى بها وأخذها رهينة بمواجهة الشعب، وهدر حياة شبابها ومستقبل أبنائها من أجل أن يستمر، ولن يستمر».
وعن التخوفات التي أطلقها البعض حول مستقبل الأقليات في سهل الغاب يقول صبرة: «المجرم وحده من يجب أن يخشى انتصار الثورة. فسوريا القادمة وطن حر لكل أبنائها و لا تزر وازرة وزر أخرى».
وبعد أسبوعين على وعود الأسد لمؤيديه أن جـيـشـه يتـقـدم لــيـفــك الحصار عن جسر الشغور، ما زالت قواته تتهاوى في محافظة إدلب وتتزايد خسائره البشرية فيها.
وفي ظل أقوال عن تواجد قادة أمنيين إضافة لمحافظ إدلب وأمين فرع حزب البعث في قبو المستشفى المحاصر، فإن هؤلاء يعيشون بين أمل وصول قوات النظام إليهم وإنقاذهم وبين شبح الموت المتربص بهم وبقرابة 300عسكري ومقاتل مدني.
ومن المتوقع أن يحمل اقتحام المستشفى من قبل قوات المعارضة رسالة خطيرة لمسؤولي النظام وقادته الأمنيين فحواها أن النظام – ممثلاً برئيسه ووعوده – غير قادر على حمايتهم، مما يجعل معركة السيطرة على المستشفى عقدة مفصلية يحاول كل من النظام والمعارضة فكها لصالحه.
مستشفى «جسر الشغور» عقدة مفصلية تتحدى النظام والمعارضة السورية
منهل باريش – القدس العربي