في الوقت الذي تشتد فيه المعارك في ريف مدينة ادلب، بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام في محاولة من الاخيرة لفك الحصار عن قوات النظام في المشفى الوطني بجسر الشغور، واحتدام المعارك في منطقة القلمون بريف دمشق، بين المعارضة وحزب الله اللبناني مدعوماً بقوات النظام وانشغال الاعلام المحلي والعالمي بتغطية هذه الاحداث، والتي أخذت حيزاً كبير من التغطية الاخبارية للشأن السوري، متناسين القصف الجوي الجنوني الذي شهدته محافظة حلب في الأيام القليلة الماضية، وقد استغل النظام انشغال العالم بهذه الاحداث لييوجه سلاح الجو التابع للنظام بارتكاب المجازر بحق أبناء المدينة وريفها، والذي أدى لاستشهاد وجرح المئات من المدنيين في المدينة وريفها.
ففي 13 مايو 2015 يوم الأربعاء،استفاق الريف الجنوبي لمدينة حلب، على وقع مجازر ارتكبتها الطائرات الحربية والمروحية في عدة قرى، حيث ارتقى ما لا يقل عن العشرة شهداء من الأطفال ومعلمتين اثنتين، في قصف ببرميل متفجر ألقاه الطيران المروحي على مدرسة في قرية خلصة.
بلدة الحاضر في الريف الجنوبي نالت حصتها من الجرحى الأطفال والكادر التعليمي، استشهدت سيدة واثنين من أطفالها وسيدة أخرى، واصابة اخرين بجراح.
في نفس الأثناء كان الطيران الحربي يرتكب مجزرة أخرى بعدة غارات على سوق شعبي ومناطق أخرى في قرية العيس قرب بلدة الحاضر، والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 30 مدنيا، واصابة العشرات وسط عجز المشافي الميدانية في المنطقة عن استقبال الجرحى، وتحويلهم الى مشافي أخرى في منطقة باب الهوى قرب الحدود التركية، استشهد الكثير منهم على الطريق أثناء محاولة اسعافهم، وذلك بسبب افتقار الريف الجنوبي للمراكز الطبية والتجهيزات اللازمة.
فيما قصف الطيران الحربي مناطق في محيط مدينة الباب ومناطق أخرى في محيط بلدة تادف، واللتان يخضعان لسيطرة تنظيم الدولة بريف حلب الشرقي، اقتصرت الأضرار فيها على المادية،
كما استهدف الطيران المروحي برميلين متفجرين على مناطق في قرية زيتان بريف الجنوبي لحلب، ونفذ الطيران الحربي غارات على محيط بلدة عندان بريف حلب الشمالي، دون ورود أنباء عن خسائر بشرية.
وأرجع ناشطون سبب استهداف الطيران الحربي لتلك المناطق من الريف الجنوبي، الى الهجمات المتكررة للمعارضة على خط امداد قوات النظام الوحيد المؤدي لمدينة حلب، وكان أخرها سيطرة مقاتلي المعارضة على حاجز التغطية بين ريف حلب الجنوبي، وريف حماة الشرقي، لينسحبوا منه بعد أن غنموا أسلحة وذخائر وقتلوا عدد من قوات النظام، فيما يشن تنظيم الدولة هجمات بشكل مستمر على هذا الخط الذي يمتد من مدينة سلمية بريف حماة، حتى مدينة السفيرة بريف حلب، كما بدأ الطيران الحربي بشن هجمات جوية على الريف الجنوبي، بعد تقدم قوات النظام وسيطرتها على قرية الرشادية قرب بلدة خناصر الاستراتيجية، وذلك في الـ 15 من الشهر الماضي، والتي يطمح من خلالها النظام التقدم أكثروالوصول الى مطار أبو ظهور العسكري، وفك الحصار المفروض عليه من قبل مقاتلي المعارضة، منذ اكثر من عامين.
أما في مدينة حلب، وتحديداً في منطقة جسر الحج، ارتكب الطيران المروحي، مجزرة مروعة، راح ضحيتها أكثر من 40 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، وذلك باستهدافه ببرميل متفجر محطة للحافلات التي تُقل المواطنين من المدينة الى ريفها، وذلك يوم الثلاثاء 12 مايو 2015، علماً أنها المحطة الوحيدة في المدينة، والتي يجتمع فيها المسافرون الراغبون بالتوجه الى الريف الحلبي أو الى تركيا، وهي خط النهاية بالنسبة للقادمين من خارج المدينة، ويتموضع عدد من الباعة الجوالين بالقرب من المحطة، ليتلقفوا أرزاقهم وقوت يومهم، الذي دمره البرميل المتفجر، لينهي معه حياتهم وحياة أخرين،كانوا يمنون النفس بالعودة الى أطفالهم غانمين.
يذكر ان المحطة استهدفت سابقا من قبل الطيران راح خلالها عشرات الشهداء والجرحى، في مجازر لا تقل قساوةً عن مجزرة الثلاثاء الأسود.
من جهته وثق المرصد السوري لحقوق الانسان (12560) غارة بصواريخ وبراميل متفجرة نفذتها طائرات النظام الحربية على عدة مناطق في قرى وبلدات ومدن سورية، منذ الأول من العام الجاري (2015) وحتى اللحظة، حيث ألقت طائرات النظام المروحية (6686) برميلاً متفجراً.
و نفذت طائرات النظام الحربية ما لا يقل عن (5874) غارة، على مناطق في جميع أنحاء سورية، استشهد على اثرها (1820) مواطناً مدنياً، منهم (428) طفلاً دون سن الثامنة عشر، و (290) مواطنة فوق سن الـ 18، و (1102) رجلاً، بالإضافة إلى إصابة نحو 15 ألف آخرين من المدنيين بجراح، وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين، كما أسفرت عن دمار في ممتلكات العامة والخاصة، وأضرار مادية كبيرة في عدة مناطق.
كما قضى في غارات الطائرات الحربية، والبراميل المتفجرة التي ألقتها الطائرات المروحية أكثر من (814) مقاتل من مقاتلي المعارضة ومقاتلي تنظيم الدولة.
معارك متفرقة في مدينة حلب:
كسرت كتائب المعارضة في الأيام الماضية، الجمود الطويل الحاصل على جبهات المدينة، بشن معركتين منفصلتين، الأولى كانت في حي باب جنين بحلب القديمة، والثانية في حي العامرية جنوب حلب، حيث تهدف الأولى للتقدم أكثر في عمق المدينة الى وسطها، وذلك بعد السيطرة على مسجد «بشير باشا» الأثري في الـ 30 من نيسان 2015 بالقرب من سوق التلل في المدينة القديمة، و الذي كانت قوات النظام قد حولته إلى ثكنة عسكرية وعاثت فيه فساداً، كما فجرت المعارضة مبنى كانت قوات النظام تتحصن فيه، ما أدى لمقتل وجرح العشرات منهم، وترافقت الاشتباكات مع قصف جوي من الطيران الحربي والمروحي على مناطق سيطرة المعارضة في منطقة الاشتباكات، ويعتبر هذا التقدم استراتيجي في هذه المنطقة، التي باتت تفصل المعارضة عن ساحة سعد الله الجابري، ب 800 متر فقط، والتي طالما حلم أهالي حلب من الوصول اليها، كما ترافقت الاشتباكات مع سقوط عدد من القذائف على أحياء خاضعة لسيطرة النظام، ما أدى لخسائر بشرية بين المدنيين.
أما المعركة الثانية فدرات رحاها في حي العامرية جنوب حلب، في محاولة من المعارضة تحرير كامل الحي من يد قوات النظام، والتقدم الى طريق الراموسة، والذي يمكنهم من قطع طريق الامداد الوحيد لقوات النظام الى داخل المدينة بالإضافة الى وصول مقاتلي المعارضة الى أسوار الأكاديمية العسكرية، والتي تعتبر العصب العسكري لقوات النظام في المدينة، لكن لم يكتب النجاح للعملية، والتي قادتها غرفة «فتح حلب» المشكلة حديثاً، دون أن يصدر أي تصريح رسمي عن أسباب توقف العملية و إنجازاتها الشحيحة.
من جهة أخرى، سيطرت قوات المعارضة على عدة قرى بريف حلب الشمالي، وهي (الحصية وحساجك والغوز)، في منطقة سد الشهباء، وذلك بعد معارك مع مقاتلي تنظيم الدولة، بعدما كانت تلك القرى مناطق تماس بين الطرفين، تقدم اليها مقاتلي التنظيم سابقاً، وقتل في الاشتباكات عدد من مقاتلي التنظيم، وأسرت المعارضة خمسة عناصر أخرين، واستولت على أسلحة وذخائر، تركها مقاتلي التنظيم الذين فروا تحت وقع ضربات مقاتلي المعارضة، فيما تشهد جبهات عدة في مدينة حلب ومحيطها معارك يومية في منطقتي البريج والراشدين ومحيط قريتي باشكوي وحندرات شمال حلب، بين قوات النظام والمليشيات الموالية لها من جهة، ومقاتلي المعارضة من جهة أخرى.
انضمام فصائل جديدة «لفتح حلب» وغياب النصرة وانصار الدين:
وفي موضوعٍ متصل، انضمت عدة فصائل من المعارضة، الى غرفة عمليات «فتح حلب» التي أعُلن عنها نهاية شهر ابريل 2015، بعدما أنشأتها 7 فصائل في حلب وريفها سابقاً، وتركها باب الانضمام للغرفة مفتوحاً أمام باقي الفصائل، حيث سجل كل من (حركة نور الدين زنكي، جيش المجاهدين، جيش السنة، لواء الفتح، كتائب أبو عمارة، الفرقة 101، الفرقة 16، الفرقة 13، لواء السلطان مراد، لواء فرسان الحق، لواء صقور الجبل، لواء الحق، الوية الفرقان وحركة بيارق الإسلام)، انضمامهم مع استمرار غياب كل من (جبهة النصرة وجبهة أنصار الدين، وكتائب الصفوة الإسلامية والفوج الأول)، عن الغرفة التي أصبحت تضم 21 فصيلا عسكريا.
فصائل من غرفة العمليات تتوانى عن فك حصار بعض المقاتلين:
نظرياً يظهر من «فتح حلب» قوة ضخمة تقدر بحوالي 22 ألف مقاتل بحسب ما أعلنت عن نفسها، بالإضافة الى وجود ترسانة لا بأس بها من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر، و من الممكن أن تجاري جيش الفتح في مدينة ادلب، لكن على الأرض لا يوجد أي مؤشر يدل على معركة مرتقبة، خصوصاً مع استمرار الخلافات بين عدة فصائل، التي لم تستطع «فتح حلب» من حلها، كما أن قلة التنسيق بدا واضحا جلياً في معركة حي العامرية الأخيرة، والتي حوصر فيها عدد من مقاتلي المعارضة في أحد المباني، ما احتاج الى أليات ثقيلة ليتم فك الحصار عنهم، وبدأت الاستغاثة بالفصائل التي تملك هذه الاليات، والتي هي من ضمن غرفة العمليات، دون أن يتم جلب أي ألية ثقيلة لفك المحاصرين، الذين استطاعوا الخروج ليلاً من المكان الذي حوصروا فيه.
ويبقى السؤال لدى الشارع الثوري في مدينة حلب، متى تصبح غرفة العمليات موحدة على الأرض مثلما هي موحدة اعلامياً، ومتى تلتحق النصرة المشهود لها بشراسة مقاتليها في المهام الانغماسية، وجبهة أنصار الدين التي تقاتل أيضا في ادلب وريفها، وهل سينضم كل من الفوج الأول وكتائب الصفوة الى غرفة «فتح حلب» وهما أكبر الفصائل العاملة بمدينة حلب، وأكثرها انتشارا شعبيا في المدينة، ومتى ستنتقل المعارضة بحلب من الأقوال الى الأفعال.
محمد علاء