أسامة الملوحي
أكثر أرض مقدسة في الدنيا على الإطلاق هي أرض الشام، أرض التين والزيتون، أقسم بها الله جل شأنه وإذا أقسم الجليل بشيء رفعه و قدّسه، ولمّا أقسم بمكة البلد الأمين، قال هذا البلد الأمين و”هذا” اسم إشارة للقريب، والقرب في هذا الموضع له بُعدان، بعد مكاني وبُعد زماني :هذا بلدكم من حولكم يا مخاطبين وهذا البلد الآن من قريب أصبح مباركاً بعد أن بُعث محمّد فيه ولم يكن من قبل على مثل ما أصبح بعد محمد صلى الله عليه وسلم، أما تلك الأرض، أرض التين والزيتون فقد افتتح الله القسم بها ولم يَحدّها بقرب بل أطلق فيها البركة إلى عمق التاريخ وغابر الأزمان.
هذه هي أرض الشام المباركة عمّ في وصفها لقب “الشام الشريف” وورد في الآثار عنها أن كل الأنبياء بعثوا من الشام فإن كانوا من غير الشام أسري بهم إلى الشام أو ارتحلوا إليها.
ولا يبارك الله أرضا ويرفع من شأنها لما فيها من أنهار وسهول وجبال وأحجار فكل ما في الأرض من خلق الله البديع العظيم، إنّما يبارك الله ويرفع البلاد بفعل الناس وأخلاقهم واستجابتهم إلى الله ورسله وإلى قيم الفضيلة والهدى وهكذا كان أهل الشام على مر العصور :صدّقوا الرسالات واستجابوا للرسل وكانوا للأنبياء حواريين وأنصاراً وجنداً والتزموا بما أمر الله ونهى، حتى رضي عنهم وبارك أرضهم وأعطاها صفة البركة في كتابه فشرفها وأقسم بها فقدّسها ولا قدسية لشيء إلا منه وإليه جل شأنه.
ولايزالون، لايزالون، أهل الشام لايزالون، صفوتهم تستجيب وتنصر وتلبي وتصل الحاضر بالتاريخ وتحيي الأرض بعد موتها بإذن ربها وتطهرها من أسوأ رجس أصابها.
وداريا بؤبؤ عين الشام دمشق تُجسد ما نقول تماماً وتزيد، أهل داريا استجابوا لثورة السوريين الفطرية ولبّوا منذ الأيام الأولى صرخة الفزعة والكرامة والتحرر.
أهل داريّا لم يمنعهم أبدا عن الاستجابة أنهم في فوهة المدفع وقرب وكر المجرمين الأكبر وتحت مرمى حقد أعتى الحاقدين في التاريخ، واستجابوا بقوة .
ثم لم توقفهم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحقهم بل زادتهم ايمانا وصموداً، واطبق عليهم الحصار من كل جانب فلم يتزحزحوا أو يلينوا وكانوا خير عباد الله أجمعين.
السوريون المنتفضون في الثورة المباركة استحقوا أن يميزهم القائل فيقول “أشراف الشام الجدد” وأهل داريا كانوا طليعة الأشراف واستحقوا منذ سنوات لقب “سادة أشراف الشام الجدد”.
في داريّا لم يكن هناك سوى السوريين حتى يقال أن دعم الرجال أتاها من وراء الحدود ولم يكن في إمكانياتها إلا ما غنمه رجالها من عدوهم فلا يُقال أن دعم الداعمين أقام صمودها تلك السنين.
داريّا سجّلت اليوم في التاريخ النظيف رقما قياسياّ غير مسبوق في الصمود والبطولة والمجد، رقما قياسياً يجمع الإمكانيات والتضحيات وعدد الصامدين وعدد وعدة وأفعال الحاقدين المُحاصِرين فيصل إلى رقم يكاد لا يُصدق.
وليس للحجارة والأزقة والبساتين في داريا الفضل والبركة والصفات إنما هي لأهل داريّا الكبار، أهل داريا هم فخرها وبركتها وقدسيتها التي أتتها من ربها بفعل ابنائها: من دافع منهم و قاتل ومن ناصر منهم ونصر ومن آوى منهم وجهز وكفل .
وعندما يصل الحال إلى ما وصل إليه في داريا ويكون الخيار بين الحجارة وأهلها فلا سبيل إلى التردد أبدا: أهلها هم عزّها وهم بركتها وهم المعنيون بكل الصفات التي رفعت بلدتهم وأدخلتها في المجد والفخار.
هل نفضل داريّا على الداريّين؟ لا أبداً والذي لا يفقه شيئا يُفضل الحجر على الإنسان وأي إنسان إنه الذي جُرب وجُبل وأبدع وأذهل إنه ابن داريّا البطل.
وفي معركتنا لا نملك سوى الإنسان ونوعيته الخاصة الفريدة التي بها نصمد وبها سننتصر، سنسعى لتكثُر الأعداد من هذه النوعية وتنتشر ولن يميتنا أن نفقد أرضا هنا أو هناك فالصديق والعدو والكل يعلم أن الأرض نستعيدها متى شئنا بإذن الله إن تحضّر الإنسان، نوعية الثائر السوري المؤمن المستجيب.
ومن خذل داريّا والداريين إنما هم أتباع حزب “كنّا عايشين” وأتباع حزب “إنها فتنة ولابد أن نعتزلها” واتباع حزب “الراكنون المتفرجون” وأتباع حزب “الموك” وأحزاب أخرى كلهم مع الميليشيات الطائفية قد شكلوا العدو، عدواً من الأحزاب، ولا يظنن أحد أن الأحزاب سينتصرون ولو كان بعضهم لبعض مدداً، وكلهم بإذن الله مهزوم، لا تظنوا الكلام خيال، الدّاريون انتصروا وكل الأحزاب لم ينتصروا ولن ينتصروا، كلهم مهزوم “جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب”.