باسم برزاوي
يقال أن هناك مدينة تقبع في حضن الشام قريبة كرمش العين الحاضن لأحلام دمشق ليلاً وبعيدة كأنها ترسم في طيف عمرانها أفقاً لا نهائياً لجنوب العاصمة. إلا أنها وإن حظيت بأفق مفتوح على عكس مدن دمشق المصلوبة بجدران العسكر والبيتون، فقد أصابها القدر بلعنة محاذاتها لمطار المزة العسكري. ولسان حالها يقول إن جاورت المقبرة فلديكَ أمل رغم قوافل الموت في حياة يوم جديد، وإن جاورت الخراب فلديكَ أمل في دالية عنب نَمَت رغم لهيب الموت على حائط مهدم. لكن اللعنة أن تجاور المقصلة فتموت بدل المرة ثلاث. الأولى وأنت تشهد لظى عقاب إنسان في جدران مغلقة، لا تعرف شيئاً عما داخلها سوى أنه بات يحلم بالموت وثانيها أنك تستقبل من المقصلة حمماً تباغتك أرضاً وجواً وقد تخرج لك من باطن الأرض أيضاً وثالثها أنك تلعن قدرك على ذلك الاختيار اللارادي في ولادتك ضمن هذه المدينة الملعونة. لكن مهلاً لم كان النداء معكوساً في اسمها لدارٍ لا تعرف سوى أن تحبك وتدفعك لتحبها حتى آخر رمق في نفسك العطشى؟! أليست تلك مفارقة أن يشتاق من خارجها ليكونوا ضمن أسوارها ولو للحظة. أن يتمنوا العزلة يوماً واحداً عن نفاق المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكل سلطات الحق ومنظمات العدالة، كي يناموا فوق رمادها بعد عشاء من نظرات أحياء وبسمات أطفال.
ويقال أن في تلك المدينة لا يموت العشب بل تطرح الأرض خيراتها ما جعل ساكنيها يخلقون تاريخاً صفرياً جديداً ويعيشوا على مبدأ الوجود الأول للبشرية في الصراع ضد الوحوش. لذا كانت مرقداً لكن ليس دينياً لمن غزا باسم الدين وليس أصولياً لمن قدم لتطهير الأرض. بل مرقداً للحب في أن يظل هناك على أرض المشرق وجود إنساني.
وجود قابله الظلم بنسف جميع مقومات الحياة ورمي سبعة آلاف برميل بارود لم تستطع سبعين ألف وردة أن تمحي آثارهم المدمرة. حتى الهواء خنق وهيكل الدمار حرق ومن بقي هم الناجين من سنوات أربع أدخلوا بها مدينتهم التاريخ وأسقطوا أسس المواطنة وخطابات المناشدين بها من أقصى الشرق للغرب. أما النهاية التي لم يخترها أبطال الحكاية فكانت الخروج إلى العالم الأسود بقلوبهم البيضاء. خروج وإن وصمه عار البشرية في عجزها المصطنع عن حق الوجود “المقدس” لكنه سيحفظ ملايين اللحظات من الضياع تحت الركام. لحظات سينقلها جيل لآخر دون الحاجة لخرائط غوغل أو رسوماً توضيحية.. هنا ليست هيروشيما، ليست سالتين غراد، ليست روما في عهد نيرون.. هنا
القلب ومن منا لا يعرف موقعه.. داريا