بالعودة إلى تاريخ هذا العلم، نجد أنه اعتمد لأول مرة في عام 1932 بعد اقرار الانتداب الفرنسي على سوريا حيث رمز حينها إلى النضال ضد المستعمر الفرنسي ، موافقة الدولة الفرنسية على هذا العلم تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية العارمة التي رافقت اعتماده من قبل مناهضي الانتداب الفرنسي على سوريا وخاصة في مدينة حلب.
ويعتبر العقيد عدنان المالكي أول ضابط سوري يرفع علم الاستقلال بعد جلاء المستعمر الفرنسي, كان ذلك خلال أول عرض عسكري لقوات الجيش السوري في دمشق بتاريخ 17/نيسان / 1946.
واستمرت رمزية هذا العلم رغم عدم اعتماده رسميا ,حيث في عام 2004 اصدرت الحكومة السورية عدة طوابع تحمل هذا العلم, علم الاستقلال السوري عن الاحتلال الفرنسي .
يتكون تصميم العلم من ثلاثة مستقيمات أفقية متوازية ملونة من الأعلى حتى الأسفل بالأخضر والأبيض والأسود، وهناك ثلاث نجوم خماسية حمراء اللون في الوسط ضمن المستطيل الأبيض ترمز للطوائف السورية والدويلات الطائفية دولة جبل العرب للدروز ودولة حلب السنية ودولة الساحل العلوية التي اتحدت تحت راية هذا العلم، وحسب مصادر أخرى فان النجوم الثلاث ترمز إلى دماء الشهداء والبطولة والشجاعة.
و حتى الآن لم يعرف بعد على وجه الدقة أول مرة رفع فيها علم الاستقلال في الثورة السورية ولكنه حمل رسمياً في مدينة أنطاليا التركية في مؤتمر للمعارضة بتاريخ 1 حزيران / يونيو 2011، وقد قام المحتجون بالإضافة إلى هيئات المعارضة برفع علم الوحدة السورية المصرية في البداية إلا أن رغبتهم بالاستقلال عن النظام حتى بالرموز الوطنية دفعتهم إلى تغيير العلم إلى العلم السوري القديم كما كان قد صمم المعارضون السوريون صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك تدعو لرفع علم الاستقلال، كما قامت صفحة الثورة السورية على موقع فيس بوك بإطلاق حملة «أربعاء علم الاستقلال» تدعو لنبذ رموز النظام و رفع العلم القديم, ليبدأ بعدها المتظاهرون السوريون برفعه في المظاهرات رغم اعتمادهم العلم السوري الحالي في الأسابيع الأولى من الحراك الثوري, إظهار العلم سياسياً تم من قبل المجلس الوطني السوري الذي اتخذه كعلم رسمي له، وعند تشكيل الائتلاف الوطني السوري في أواخر العام2012 قام الأخير باتخاذه كعلم رسمي له وقام أيضاً باتخاذه كعلم للحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف.
يعتبر علم الثورة السورية من الثوابت المقدسة في شريعة الثائرين السوريين، هذا العلم الذي زينت به ساحات الحرية وارتوت نجماته الحمر بدماء شهداء النضال، هذا العلم الذي ألف قلوب الثائرين على اختلاف مناطقهم وطوائفهم، هذا العلم الذي كان يعلو مع الهتاف حتى يلامس السماء حرا أبيا ثائرا.
ترك هذا العلم أثرا كبيرا في نفوس السوريين، فتصميمه الجامع لتاريخ ومكونات الشعب السوري, جعلت منه الراية الأكثر اجماعا بين السوريين .
ابتدأت الحرب على هذا العلم من النظام ومؤيديه أولا، فعمد النظام إلى طمس الحقيقة التاريخية لهذا العلم باعتباره علم الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، ليدعي النظام بأن معارضيه يرفعون راية الانتداب الفرنسي كدلالة على عمالتهم الخارجية وارتباطهم بالمستعمر وأعداء سوريا.
علم الثورة السورية ذو النجوم الحمراء الثلاث هو اليوم في خطر، فالصراع الايديولوجي بين فئات ثورية أصيلة رفعت العلم وأمنت به، وبين فئات أخرى حملت رايات سوداء واعتبرت الثورة جزءا من مشاريع الخلافة والامارة وحاولت إلباس الثورة ثوب الصراع المقدس والحرب الكونية بات واضحا اليوم.
ترجم هذا الصراع الأيديولوجي أولا بحرب باردة في ساحات العالم الافتراضي، رافقت انتقال الثورة السورية من المرحلة السلمية إلى مرحلة الكفاح المسلح، وتبلورت هذه الحرب بدقة في المراحل التي حاولت فيها بعض القوى المسلحة الغاء الجيش السوري الحر الذي اعتمد هذا العلم كراية للكفاح المسلح وشنت عليه حربا اعلامية وعسكرية.
رافقت هذه الحرب آلالاف التغريدات على موقع تويتر لعناصر الجماعات المتشددة التي تسخر من العلم وتحاول اهانته، ليأتي الرد سريعا من نشطاء الثورة السورية بحملات تثبت من خلالها رمزية العلم، وتوجه رسائل قوية لكل منحرف عن هذه الراية.
انتقلت بعدها الحرب الباردة إلى حرب أكثر علنية، وترجمت أخيرا على الأرض بمظاهرات ومظاهرات مضادة، واشتباكات بالأيدي وحملات اعتقال وتعذيب وتهديد بالقتل لحامليه، حيث شهدت أحياء حلب المحررة مؤخرا، قيام عناصر مسلحة تابعة لتنظيمات متشددة بتمزيق العلم والاعتداء بالضرب على المتظاهرين الذين اعتادوا بشكل دوري الخروج بعد صلاة الجمعة في مظاهرات جامعة لدعم القوى الثورية.
ألهبت هذه التصرفات ألاف الثائرين لتبدأ بعدها حملات جديدة دعت إلى رفع علم الثورة بكثافة، وتجسدت من خلال حملة #ارفع-علم-ثورتك، ليعود علم الثورة من جديد إلى الواجهة مترافقا بزخم اعلامي كبير من نشطاء الثورة، وليسود الصمت المؤقت الموقف مجددا.
علم الاستقلال أو علم الثورة، رمز الثورة السورية وعقدة تلاحم أبنائها، فهل بات محط مفاوضات الساسة لنيل مكاسب سياسية!!
دانيا معلوف