استعادت فصائل الجيش الحر السيطرة على بلدة الراعي بعد خسارتها في نيسان/ابريل الفائت، وتكبدت الفصائل خسائر كبيرة تقدر بنحو 150 مقاتلاً في المعركة التي استمرت ثلاثة أيام.
وصرح قائد فرقة السلطان مراد، العقيد أحمد عثمان، لـ«القدس العربي» بأن «المعركة مستمرة لطرد داعش من ريف حلب الشمالي بعد السيطرة على الراعي».
وعن التغطية الجوية لطيران التحالف، أكد عثمان قيام التحالف الدولي بهذه التغطية، ووصفها بـ»المقبولة».
ويشار إلى أن الجيش الحر اتهم التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة» بالتقصير بعد عملية تحرير الراعي قبل ثلاثة أشهر، ما دفع فصائل الجيش الحر إلى الانسحاب أمام مفخخات التنظيم، التي ترافقت مع هجومه المعاكس لاستعادة السيطرة على بلدة الراعي وطرد الجيش الحر منها.
وتضاربت الأنباء عن الوجهة في المرحلة الثانية بعد السيطرة على الراعي. العقيد عثمان قال:
«لدى الفصائل ثلاثة خيارات للمرحلة الثانية، الأول هو التقدم شرقا إلى جرابلس، أو المواجهة من الجبهة الغربية في كفر كلبين ويحمول، أو أن نتقدم جنوب الراعي لمحاصرة داعش في احتيملات ودابق».
وفي السياق، انتقد الناطق باسم الجبهة الشامية، العقيد محمد الأحمد، في تصريح لـ«القدس العربي» فكرة التقدم إلى جرابلس والسيطرة على الشريط الحدودي، دون ضمان السيطرة على العمق جنوبا. ووصف الأحمد الأولوية العسكرية أنها «يجب أن تكون ضمان نقاط السيطرة الحالية وتعزيزها، ومن الأفضل تكتيكياً التقدم بخط جبهي من الغرب انطلاقا من مارع وحتى الشمال، ومن ثم التقدم شرقاً باتجاه احتيملات ودابق».
ومن المرجح أن يبرز الخلاف قريباً، حول إمكانية ومقدرة الجيش الحر الذي ترغب تركيا بجره إلى جرابلس، فيما يبقى ظهره غير مؤمن بالمعنى العسكري. فخط الجبهة، الممتد من مارع إلى الراعي يبلغ نحو 40 كم، هو خط هش ويحتاج إلى أعداد مضاعفة من المقاتلين والإمكانيات اللوجستية لصد هجمات تنظيم «الدولة» التي اخترقته عشرات المرات.
ويحتاج التقدم إلى جرابلس وطرد «الدولة» منها إلى ثلاثة أضعاف أعداد المقاتلين المتواجدين على جبهاتها الآن. فيما تقليص خط الجبهة والبدء بمعارك التقدم من الغرب يلزمهما إمكانيات جوية فقط، إضافة إلى تخفيف أعباء الإمداد بسبب قرب مارع. ويساعد الجيش الحر على توسيع مناطق نفوذه التي تَضيقها قوات سوريا الديمقراطية من جهة الغرب، وإبعاد شبح حصار «تنظيم الدولة» المستمر لمارع.
عن سير المعارك والهجمات اليومية المعاكسة التي يشنها التنظيم، قال قائد الفرقة الشمالية في منطقة اعزاز، المقدم عبد المنعم نعسان، في حديث إلى «القدس العربي» إن التنظيم «تسلل مع المدنيين فجر يوم الجمعة وأخذهم دروعا بشرية، وحاول إرسال مفخخة قمنا بالتصدي لها وإعطابها».
وأشار المقدم نعسان، الذي تعرض لإصابة خفيفة في الرأس، إلى «ضرورة التحصين الهندسي للبلدة المحررة، لمنع هجمات تنظيم الدولة المباغتة، وخصوصاً الهجمات الليلية». وأضاف أن «كتائب الهندسة تعمل على إنارة خطوط الجبهة بكواشف إضاءة قوية من أجل كشف تحركات داعش الليلية».
من جهته، قال القائد العسكري في لواء صقور الجبل، ديبو التركي، أن كتائب الهندسة تقوم بتفكيك الألغام التي زرعها تنظيم «الدولة» في البلدة، والاستفادة منها في تلغيم وسد بعض الطرق والقطاعات التي يحاول التنظيم التسلل منها ليلاً. ونوه ديبو إلى تشديد التحصينات الهندسية التي بناها التنظيم، «حيث قام بحفر الحفر الفردية داخل الغرف لحماية مقاتليه من القصف الجوي المباشر أو القصف المدفعي الذي قمنا به على بعض البيوت التي تحصن بها على خط الجبهة الأول».
وتأتي عملية تحرير الراعي برعاية تركية مباشرة لغرفة «عمليات حور كلس» العسكرية، حيث استقدمت فصائل الجيش الحر مزيداً من التعزيزات من ريف حلب الغربي، ودفعت حركة نور الدين الزنكي وحدها بـ500 مقاتل، إضافة لعشرات المقاتلين من تجمع فاستقم، وباقي فصائل منطقة الباب في ريف حلب الشرقي الذين شكلوا «لواء الحمزة».
وتعمل الفصائل العسكرية في غرفة عمليات حور كلس ضمن ثلاث كتل عسكرية، هي «كتلة السلطان مراد» و»كتلة فيلق الشام» و»كتلة الجبهة الشامية». وتتوزع باقي الفصائل على الكتل بمعدل خمسة وستة فصائل ضمن كل كتلة.
ويشار إلى أن تنسيقاً عالياً قد اتضحت نتائجه في معركة الراعي، وهو يخالف ما ظهرت عليه الفصائل في عملية تحرير الراعي السابقة، حيث تشتت الجهود بين الفصائل حسب دعمها وتنسيق جماعة البنتاغون (الفصائل الذين يتلقون دعمهم من وزارة الدفاع الأمريكية ضمن برنامج التدريب الأمريكي) مع الطيران الحربي في قطاعاتهم، فيما بقيت باقي الفصائل دون تغطية جوية وحوصرت من جانب تنظيم «الدولة» بعد أن التفت عليهم، مما اضطرهم إلى الانسحاب أمام شدة الهجمة.
ومن الواضح أن تركيا قد وضعت ثقلها الكبير في حلب بالتزامن مع استدارتها إلى روسيا واسترخاء العلاقات بينهما، حيث تحاول أنقرة تعزيز دعمها للمعارضة في مدينة حلب أو من خلال دعم المعارضة المسلحة في ريف حلب الشمالي للتقدم على حساب تنظيم «الدولة» وصولاً إلى الباب، من أجل منع أي التقاء محتمل أو وصول لقوات حماية الشعب الكردية إلى عفرين.
ويبدو أن وعدا أمريكيا كان قد أعطي إلى أنقرة في وقت سابق، وعبر عنه صراحة وزير الخارجية التركي عندما قال: «واشنطن تعهدت بانسحاب قوات سوريا الديمقراطية من منبج بعد طرد داعش منها». وهو ما يفسر التصريحات التركية التي ترافقت مع بدء معركة «تحرير منبج»، وتصريح أردوغان الغريب من أن المقاتلين العرب يشكلون غالبية القوات التي تتقدم في منبج.
ومع بدء إخلاء مقاتلي تنظيم «الدولة» لأسرهم في جرابلس، والإشاعات المتواترة عن فك فرن جرابلس الآلي وسحب التنظيم لأغلب كميات الدولار من سوق جرابلس، واستعداد بعض فصائل الجيش الحر لدخول المدينة الحدودية من المعبر التركي تحت التغطية النارية التركية المستمرة منذ ليل الخميس…
كل ذلك يعطي مؤشرات على أن اتفاقا أمريكيا ـ تركيا بدأت تتضح معالمه على اطلاق يد تركيا في الـ90 كم الممتدة من اعزاز إلى نهر الفرات قرب جرابلس، وتركها تحاول السيطرة عليها وتحارب تنظيم «الدولة» بمساعدة فصائل الجيش الحر، أو على الأقل تأمين شريطها الحدودي فيها. ويأتي انفجار تحالف الأمر الواقع بين النظام ووحدات حماية الشعب ليزيد من طمأنينة تركيا حول مستقبل أي إدارة ذاتية أو إقليم كردي على كامل شريطها الجنوبي مع سوريا.
القدس العربي – منهل باريش