اعتادت الأجيال العربية بعد استقلالها على قول الشاعر:
بلاد العرب أوطاني.. من الشام لبغدانِ ومن نجد الى يمن.. الى مصر فتطوانِ
كان ذلك مبعث فخـرٍ واعتزازٍ لكل عربي، بعد أن مرّت الشّعوب العربية بمراحل قاسية من الذلّ والإهانة والاستغلال.
كما أنّ الجّهل والتجهيـل كانا أهم شعار عند المستعمر المحتل، حتى أنّ تلك الشعوب كانت تعاني من كل ضروب الحياة، ابتداء من لقمة عيشها وظلمها وصولاً لمنع العلم والتنوير وإغناء عقولها.
وهو السلاح الفتّاك لجعل الأمم والشعوب تابعة خانعة مستهلكة، تأكل فقط لتعيش، محرومة من جميع وسائل تنمية الفكر والمواهب الإبداعية،علماُ بأنّ جذور تلك الشعوب والأقوام العربية كانت ضاربة في التاريخ القديم كمنبع وضّاء أنار معظم الحضارات السالفة.
ولطالما أن الفكر المتّـقـد، لا يمنعه مانع من العمل والتفكير والإبداع، ورغم كلّ التضييق عليه، فإننا نشاهد أنّ الفنون العربية القديمة، والتي لا تزال متاحف العالم أجمع تخزنها وتعرضها، بل وتتسابق لاقتنائها بالطرق المختلفة المشروعة، أو الممنوعة والمحرّمة دولياً.
كان للمستعمر دور ايجابي ــ دون أن يدري ــ في تحفيز الشعراء والأدباء والفنانين العرب لنشر إبداعاتهم وتداولها سراً أو بشكل علني متحدياً تضييق وسلب حرية التداول والنشر أو عرض اللوحات في الصالات، وإقامة الندوات الفكرية عنها.
ولابد وأن نتذكّر بدايات ذلك النشاط الفكري في العصر الحديث، حيث كانت الجزائر أكثر من عانى من ذلك القمع والتضييق على المبدعين لفترة امتدت لحوالي (130 سنة) كانت كافية لإخماد توهج النهضة الفنية والأدبية ولتغيير لغة الأمّ. لكنّ الفنان والمثقف الجزائري راهنوا على البقاء والعطاء والاستمرار متحدين كل العوائق والتضييق فكتبوا ورسموا وأبدعوا.
كما كان للاحتلال الصهيوني لفلسطين دوراً كبيراً أيقظ الفكر العربي من سباته فترة الاحتلال العثماني وجعله القضية الأساس, يدافع عنها أرضا وفكراً وتراثا فكانت المحاضرات والمعارض الفنية ونشر المؤلفات العربية عن القضـيّـة الفـلسطـينـية كهدف موحد يدافع عن الوجود العربي الذي باتت الصهيونية تهدد كيان الأمة العربية كلّها من خلال ذلك.
وبقي الفنان والمثقف يتابع القضية الفلسطينية في جميع المحافل والمنتديات لتثبيت الهوية العربية لهذه الدولة الوليدة من جديد .
في الركن الجنوبي من الوطن العربي كانت دولـة اليـمـن تعيش حالة التمزق القبلي, وقد كانت هدفاً لشتى أطماع الدول الغربية نظراً لموقعها الجغرافي وتحكمها بباب المندب الذي تعبر فيه السفن المحملة بخيرات الشرق الى الغرب. لذلك وجدنا نيران الفـتـن الدائمة تشتعل بين حين وآخر لإلهاء الشعب اليمني بمقاتلة (نفسه بنفسه) بينما يقف الغرب ساخراً منه وضاحكاً.
ولو رجعنا الى بلاد الشام ــ ســوريـةــ لوجدنا أن الفنون وشتى أنواع الفكر قد ازدهرت, وانتشرت فيها اللوحات الوطنية التي تقدس الوطن والمواطن الملتزم بقضايا أمّـته العربية بدءاً من مقارعة المستعمر الفرنسي وليس انتهاء بالإعتزاز بالوحدة بين سوريا ومصر عام 1958مع التركيز على القضية الفلسطينية التي لم تعتبرها ــ سورية ــ إلا قضيتها الأساس على مر الزمن وتبدل عهود الحكّام .
لكن حضارة مابين النهرين التي تعمقت في الـعـراق أفرزت جيلاً مبدعاً من الفنانين التشكيليين فقدّم أروع اللّوحات, مستمداً إبداعه العظيم من المنهل الأول في تراثه الآشوري والسومري الذي أدهش العالم بمخلفاته الفنية حتى يومنا الحالي.
ولا يمكن للمتابع إلا أن يقف بإجلال وإكبار أمام إبداعات الفـنـان المصري الذي كان له الدور الأكبر في نشر الفنون وتعليمها وإعطائها الطابع الشرقي المتميز والذي يتجلّى بشكل واضح في لون بشرة الوجوه السمراء وملامحهم الفرعونية المميّزة, فضلاً عن شعبية الموضوعات المطروحة والتي تكون دائماً أقرب لنفسية وعين المتلقي والتأثير في كل من يشاهدها.
سأكتفي هنا بعرض بعض النماذج من (اللوحات الفنيّة ) كأمثلة للمقارنة, من دون ذكر أسماء رساميها, بل سأكتفي بالتدليل على هوية كل لوحة وعائديتها للبلد العربي الذي أنتجت فيه.
وفي كل الأحوال فلقد نجد فارقاً وتبايناً بين لوحة وأخرى, لكن في النهاية لابد من الإعتراف والتأكيد بأنّه لكل بلد هويّـة فنيّة قد تميزه عن سواه, لكن في النهاية:
لابد من الإعتراف بأن بوتقة واحدة صهرت وأفـرزت هذه العصارة الموحّـدة فـنـيّـاً, شأنها بذلك, شأن حروف وكلمات اللغة العربية, التي توحّد الأمة لغوياً وتفترق وتختلف عن بعضها البعض بموجب ( لـهجـات مـحـلـيـّة ) تـمـيّـز كل واحدة عن لهـجـتـهـا الأخرى.لكـن المفهــوم والـهــدف واحــدٌ مُـوحّــد.
عبد الرزاق كنجو