النبأ الذي اغتبطنا لسماعه عشرات المرّات ثمّ أحبطنا بعد أن تبيّن عدم صحة ما سمعنا حتّى أنّنا لم نعد نكترث، والأصح لم نعد نودّ سماعه لأنّنا سنرتاب فيه سلفاً أو سنعتبرها مزحة سمجة.
ولكن ما سجّله التاريخ على يد جيش الفتح هو الحقيقة التي مفادها اقتلاع أهمّ قلاع الطغاة في الريف الشرقيّ لمحافظة إدلب تحرير معمل القرميد وأعيدها لمن لا يصدّق … نعم تحرير معمل القرميد منذ أن فرض التسليح كممرّ إجباريّ على الثورة السوريّة.
حاصر نظام الطغيان أغلب المدن السوريّة بزرع عدد من الحواجز على مداخلها الرئيسيّة التي أذاقت سكّان تلك المدن كافّة أنواع القهر والموت وكانت ضحاياها ليست بالقليلة.
وعندما اِشتدّ عود الثورة وبدأت تلك الحواجز تتهاوى تحت ضربات المقاتلين، أدرك الطغاة أنّهم سيخسرون جميع تلك الحواجز التي لم تعد قادرة على حماية نفسها، فعمدوا إلى سحبها وجمعها في مناطق محدّدة وغير مكشوفة، وتمّ تحصينها بما يكفي كي تبقى عصيّة على المقاتلين.
وكان معمل القرميد نقطة التمركز الأهمّ في الريف الشرقيّ لمحافظة إدلب لأهميّة موقعه الاستراتيجيّة، كونه يقع على الطريق الذي يصل حلب باللاذقية وغدا قلعة من قلاع الطغاة التي تنشر الموت والدمار في كلّ المدن والقرى التي تصلها رماية نيرانها
ما يقارب الخمسة آلاف شهيد ومثلهم من المعوقين ومئات المنازل التي تدمّرت، حتّى صار مجرّد اسمه شؤماً على كلّ من حوله.
جرت عشرات المحاولات لتحريره كلّفت الكثير من الأرواح وكلّها باءت بالفشل حتّى تحول تحريره الى حلم .
ويوم أن تمّ إعلان انطلاق معركة تحرير إدلب بعد تشكيل جيش الفتح طرح السؤال المشروع حينها ما فائدة هذا التحرير وقلاع الطغاة ما زالت راسخة؟ أليس من الأجدى أن يتمّ تحرير القرميد والمسطومة وبقيّة النقاط العسكريّة الأخرى.
وبالفعل تمّ تحرير إدلب المحافظة لتتوالى الانتصارات، ويتمّ تحرير مدينة جسر الشغور وبعدها تأتي المفاجأة الأهمّ، وهي اقتلاع أهمّ قلاع الطغاة في المنطقة (معمل القرميد) والتي لا تقلّ أهميّة، بل تزيد عمّا سبقها من تحرير بما لها من رمزيّة وأثر على استعادة الثقة وتثبت ورفع معنويات المعارضين من مدنييّن وعسكريّين.
وفي الوقت نفسه زعزعت وانهيار معنويّات شبيحة السلطة كذلك عسكريّاً ومدنيّاً، وما يقوم به النظام من مجازر وتدمير في أغلبها لا تطال سوى المدنيّين في إدلب المحافظة ومدنها وأريافها إلّا ردّ فعل هستيريّ على الهزائم التي مُنيَ بها، وبعض من محاولة رفع معنويّات شبيحته..
والمؤسف أنّ هذا العنف الهمجيّ لم يكن بالإمكان تفاديه بعد تحرير القرميد سواء تمّ تحرير إدلب قبل أو بعد تحرير القرميد، فهذا دأب عصابات الطغيان والتي تعمد بعد كلّ تحرير إلى الانتقام من المدنيّين.
وكانت الخشية أن تتمّ عمليّات الانتقام وتبقى قلاع الطغاة كما هي، ولكنّ تحرير القرميد عدّل المعادلة، بل وقلبها، وما جرى في إدلب مؤخّراً من انتصارات على كافة الصعد شكّل نقطة تحوّل ورافعة في مسار الثورة السوريّة.
وها هي عدّة كتائب في حلب تعلن عن تشكيل جيش تحرير حلب على غرار ما جرى في إدلب.
وإذ ما قوطعت أخبار الشمال مع أخبار الجنوب وما يجري في درعا من انتصارات وأنّه قد تُعلن درعا فيما قريب محافظة محرّرة، فنكون فعلاً أمام انعطاف مهمّ في أحداث الثورة السوريّة، لسان حالها أنّ قوى المعارضة المسلّحة الفاعلة على الأرض قد أدركت وعملت فعلاً وليس قولاً على تطبيق استراتيجيّة جديدة أكثر وحدة وتنظيماً على كافّة المستويات، وقد تجاوزت مرحلة الفصائل والكتائب الصغيرة والمشتّتة، والتي تجتهد كلّا منها حسب إمكانيتها لتدخل مرحلة الجيوش بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
فمبارك تحرير القرميد وكلّ انتصارات إدلب والتي هي نقطة البداية الأهمّ في اندحار عصابات الإجرام وسقوط قلاع الطغيان.
أسعد شلاش