زيتون – وسيم درويش
لا يمكن الانكار أن الخسائر المادية التي لحقت بالمناطق المحررة في الممتلكات والأبنية العامة والخاصة، قد فاقت نسبة 60% في بعض المناطق، حيث ألحقت طائرات ومدافع وصواريخ نظام الأسد وحليفه الروسي دماراً هائلا في بيوت المدنيين، ومحالهم التجارية، وتقدر نسبة الدمار بشكل عام بأكثر من النصف. فهناك أحياء سكنية دُمرت دمارا كليا وبعضها دمارا جزئيا.
ومع اطالة أمد الحرب والحاجة الماسة لإيجاد بيوت ومساكن بديلة، باتت المحافظة تشهد حركة وإقبال كبيرين على البناء رغم استمرار القصف حيث يمكن لأي عابر في مناطق وقرى وبلدات إدلب مشاهدة التزايد الملحوظ للأبنية الجديدة.
شراء المواد بالدولار:
شهدت أسواق مواد البناء ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار في عموم المناطق المحررة خلال السنوات السابقة، حيث تضاعف سعرُ طنِّ الحديد المبروم المستخدم في البناء أربعة أضعاف سعره السابق، ليصل إلى عتبة الـ 250 ألف ليرة، حيث يتم الدفع بالدولار حصراً، إذ يتراوح السعر ما بين 400 – 500 دولاراً للطن الواحد، وكذلك كيس الاسمنت الذي يبلغ ثمنه حالياً 1500 ليرة سورية أي ما يعادل ثلاثة دولات للكيس الواحد.
ويعزو المهندس المعماري ظافر الخطيب هذا الارتفاع إلى توقف الإنتاج المحلي، وصعوبة سحب المواد من مناطق النظام، ولجوء الأخير إلى استيراده من دول الاتحاد «روسيا، وأوكرانيا، وإيران»، إذ يضطر المستوردون لدفع ثمنه بالدولار الذي ارتفعت قيمته أمام الليرة السورية بما يزيد عن خمسة أضعاف عما كانت عليه قبل عام 2011م.
فيما وصلت أجرة اليد العاملة الى أرقام قياسية يراها المواطن مرتفعة جداً حيث بلغت أجرة متر الواحد للقالب التي يتقاضها نجار الباطون عشرة دولارات فيما كانت 500 ليرة سورية، بينما وصل سعر المتر المكعب الواحد من الرمل 4000 ليرة سورية، بزيادة 3800 ليرة عن السابق فيما وصل سعر البلوك (عدد واحد) لـ 60 ليرة، بعدما كان 12 ليرة، وأيضاً،
يقول ماهر البيوش، الذي يعمل على سيارة شاحنة لنقل هذه المواد: الارتفاع في سعر المحروقات يشكّل عاملاً مهماً في تحديد السعر، حيث يدخل في جميع متطلبات البناء من آلات حفر وصب ونقليات وغيرها.
المغترب طرف مستفيد:
بالمقابل تعدّ هذه الأسعار أقل كلفة للمغتربين مما هو عليه الحال قبل 2011 حيث أوضح المغترب مهنا، والذي يعمل مدرساً في دولة الامارات منذ أكثر من 20 عام أنه في عام 2006 وأثناء قيامه ببناء منزله في تلك الأثناء كان قد اشترى الطن الواحد من الحديد بمبلغ 66 ألف ليرة، أي ما يعادل 1350دولار أمريكي، بينما هو اليوم وفي بنايته الجديدة التي يقوم بإنشائها بهدف التجارة قد اشترى الطن الواحد من الحديد بمبلغ 456 دولار، و أيضا بالنسبة لمادة الاسمنت حيث اشترى للبناء السابق الطن الواحد بمبلغ 320 دولار بينما لبنائه الجديد اليوم اشتراه بمبلغ 30 الف ليرة سورية، أي أقل من مائة دولار، وإذا ما قارناه بدخله الثابت بالدرهم الامارتي فإنه وفي هذه الأيام يعتبر البناء أقل كلفة عليه وعلى أمثاله من المواطنين المغتربين.
أبو العبسي، من أهالي مدينة معرة النعمان قال: لقد دمروا منزلي بالكامل ولم يعد صالحاً للسكن منذ عام 2013 نتيجة لتعرضه لأحد البراميل المتفجرة التي ألقاها الطيران المروحي على المدينة الأمر الذي دفعني لبناء منزل جديد ليأوي عائلتي ولكن جشع التجار جعلهم يرفعون الأسعار بشكل جنوني ولم أستطع حتى هذه اللحظة اكمال سوى 40 بالمية من المنزل الجديد خاصة في خضم الغلاء في جميع مناحي الحياة ما جعل إكمال البناء شبه مستحيل بالنسبة لي.
بناء عشوائي يطيح بالمخططات التنظيمية:
البعض من الأهالي وخصوصاً التجار وأصحاب الأموال وبعض قادة الفصائل المسلحة والمتنفذين ، في المناطق المحررة استغل عدم وجود السلطة والرقابة لصالحه، ليبني المحلات التجارية والمنازل في المناطق العشوائية، حيث زاد البناء العشوائي بنسبة 90% عما كان عليه قبل 2011 ، بحكم أن نظام الأسد كان يمنع البناء العشوائي وغير منظم إلا برشاوى، بحجة أن هذه المنطقة منطقة حماية أو منطقة إدارية لا يجوز البناء فيها، أو برخصة من المحافظة، ومع غياب هذه القوانين والرقابة على البناء، أصبح بإمكان المواطن في المناطق المحررة، بناء ما يشاء من المحلات التجارية والمنازل في أي مكان فهناك من استولى على الشوارع التنظيمية المقررة والتي لم تنفذ حتى الآن ومئات البيوت نشأت وانتشرت واجتاحت العديد من القرى والبلدات، والتي اجتاحت ايضاً المناطق الحراجية وحدود الطرق العامة والداخلية، حتى أن بعض الأبنية الاستثمارية والتجارية لم تلتزم بالتراجع القانوني الذي يفرض ابتعادها مسافات محددة بالقانون عن الطرق ناهيك عن استيلاء بعض من المتنفذين الجدد على مساحات شاسعة من أراضي أملاك الدولة غير المنظمة والتي كان من المقرر أن ينشأ فيها منطقة صناعية أو تجارية أو مدرسة أو حديقة أو غيرها، وذلك بإشادة أبنية خاص عليها أو تسوير مقاسم من أملاك الدولة واعتبارها ملكاً شخصياً بغرض الاتجار بها.
عبد العزيز البيوش، من أهالي مدينة كفرنبل يقول: دُمر منزلي في وسط المدينة ولا أملك قطعة أرض أخرى يمكنني أن أشيد منزل آخر عليها ما اضطرني للذهاب إلى الأراضي الجبلية التي كانت تعتبر ملك بلدية وقررت أن أشيد منزلي الجديد في تلك البقعة و أثناء بدايتي بحفر اساس فوجئت بمجيئ دورية مؤلفة من ثلاثة أشخاص مسلحين من نفس المدينة يدعون ملكيتهم لتلك القطعة من الأرض وعندما حاولت مجادلتهم بحجة أن تلك الأرض هي ملك عام، أشهروا سلاحهم وهددوني بأنه لا يمكنني البناء إلا في حال دفعت لهم 2 مليون ليرة، ثمن الدونم الواحد.
وليست قصة عبد العزيز هي الأخيرة فقد تم الاستيلاء على أكثر من 25 بالمية من أراضي الأملاك العامة خلال سنوات الثورة وخاصة من قبل المتنفذين، أما البناء العشوائي وغير المنظم قد يشكل عائقاً كبيراً أما رسم واجهة حضارية مستقبلية ويعتبر هدراً لمال العام الذي سيجد صعوبة في تنظيم وتخديم تلك المناطق مستقبلاً.
خطوات جدّية للحل:
وقد قامت مؤخرا حركة أحرار الشام بإنشاء مكتب أملاك الدولة ومركزه مدينة معرة النعمان بهدف الحد من العبث بأراضي الأملاك العامة. إلا أن وجود أكثر من مسيطر في المنطقة الواحد حال دون تنفيذ هذا المكتب لصلاحياته كاملة.
وقال أبو سليمان، أحد مسؤولي المكتب: كان لنا عدة تجارب في المجالس المحلية لإعادة تنظيم أمور عقارات أملاك الدولة العامة من خلال عقود آجار و تنظيم مخالفات بحق واضعي اليد، إلا أننا جوبهنا بعدة مصاعب أهمها عدم وجود إدارة واحدة وسلطة إدارية أو قضائية واحدة يمكن التخاصم و التقاضي عندها.