كسرعة البرق, تخطف النظر إليها, ولتطبع التجهّم على وجوهنا, أو لترسم على الشفاه ابتسامة وديعة مصدرها ومضة إشعاع من رسم يدوي ساخر.
ذلك هو الانطباع الذي يدفعنا لفهم الفكرة التي يريد رسام الكاريكاتير أن يغرسها في أذهاننا بشكل سريع قبل أن تعمل فيها عقولنا, فيسبقنا لزرع التأثر بفكرته وإضافة قيمة ثقافية في تفكيرنا ولتوجيه مواقفنا في الحياة.
وفي هذه الناحية يلتقي هذا الفن ــ كثيرا ــ مع فنون الإعلان التي يقاس نجاحها بمقياس سرعة التأثير في المشاهد المتلقي لهذه الأعمال ولو بنظرة سريعة خاطفة.
وهنا يجد الإنسان نفسه محصوراّ ومكبلاً أمام فكرة انزرعت فيه بشكل طوعي أو مرغماً.
ولما كان مبدأ الأفلام السينمائية المتحركة ينطلق من تأثير الومضة السّريعة، فقد شاهدنا توجه مؤسسات الإنتاج ومنذ نهايات القرن الماضي الى هذا الفن, فراحت تتحول مؤسسات الإنتاج الكبرى وتتسابق في هذا المجال لإنتاج أفلام تؤثـر في فكر المجتمعات التي كانت ــ سابقـاً ــ تسعى لنشرها من خلال الأفلام السينمائية المشخّصة بأعداد كبيرة من الممثلين, فضلا عن التكاليف الماديّة الكبيرة لإعداد الألبسة وتصميم أماكن العمل وما يتبعها من تجهيزات خاصة لكل مشهد.. وكل هذا من أجل نشر قيم فكرية تهدف إليها تلك الأفلام الطويلة والتي تتطلب دورُ عرض سينمائية يسعى إليها المشاهد.
قرّر الشاب المتنوّر (موفق قات) السفر الى المعهد العالي للسينما في موسكو السوفيتية ليتعلم فيها أصول اللّعبة التي تجعل الرّسوم الصمّـاء المنفردة تتحرك وتتحول الى شريط قصيرــ نسبيا ــ لكنه في ذات الوقت يعرض أفكاراً عظيمة وهادفة.
ولقد كان لموفق قات الفضل السبّاق في إنتاج أول فيلم سوري متحرك, تبعه فيلم (جحا في المحكمة) وفيلم (حكـايـة مـسـماريـة) وبعدها (تعليم فتاة) الذي أنتجته منظمة اليونيسيف.. والقائمة تطول.
ولما كانت المؤسسات السينمائية محدودة العدد في وطننا العربي فقد ارتأى موفق قات ألاّ يكون حبيس تلك المؤسسات التي هدفها الربح المادي قبل سواه، لذلك وجد نفسه يسلك الطريق الموازي في رسومه الساخرة ويتحول الى سكّة الكاريكاتير ناقداً وموجهاً لأمور يعاني منها شعبه ومحيطه المعيشي.
وقد تكون خدمته الإلزامية في الجيش السوري والذي كان يحرص على وصفه «جيش أبو شحاطة « وما شاهده من تناقضات وتمييز واضح بين العناصر, والمحسوبيات والرشىً المنتشرة بين ضباطه.. كل ذلك جعله يمسك بقلمه وريشته ليرسم بشكل سـرّيّ وبعيداً عن الأضواء وليكشف العيوب وليفضح النواقص, لذلك فقد وجد نفسه على الطريق رديفاً للفنان ناجي العلي وعلي فرزات وزميله المحبب ممتاز البحـرة وغيرهم.. ممن اختاروا طرق المواجهة مبتعدين عن الطرق الزلِـقَـةِ والمغريات التي تحاول السلطة من خلالها لجم الأصواتِ وكسـرِ الأقـلام من قِـبَـلِ الأزلام والمنافقين من المحيطين بأصحاب القرار.
لقد شارك الفنـان موفـق قـات في المطالب السلميّة للحراك الشعبي, فنشر العديد من الرسوم الكاريكاتيرية الناقدة والتحريضية لكشف المظالم الإجتماعية والسياسية التي يعاني منها المواطن السوري في الداخل أو في مخيمات النزوح والهجرة القسريّة.
ولقد كان في غنىً عن كل ذلك لو أنه ارتضى بالمكاسب والمناصب التي شغلها في التلفزيون ووزارة الإعلام فكانت الفرص الكثيرة متاحة أمامه لكنه فضّل متابعة ما بدأه, وانحاز الى قضايا شعبه ملبياً ومشاركاً توجهات المثقفين والكتاب والفنانين الصادقين نابذاً الفتات التي رَضِيَ بها سواه.
غادر الى بلدان الاغتراب شأنه شأن كل من ضاقت عليه الأرض السورية بما رحبت ليتابع رسومه اللاّذعة التي تتسابق وتتلقفها دور النشر والصحافة العالمية.
عبد الرزاق كنجو