زيتون – رزق العبي
تواصل قوات الأسد مدعومة بطائرات العدوان الروسي، هجماتها الجوية على محافظة إدلب بشكل عام، مع التركيز في استهدافها على مدينة إدلب (مركز المحافظة)، حيث بلغ عدد الغارات الجوية منذ يوم السبت 16/7 وحتى 30/7 قرابة 156 غارة، من طائرات روسية وأخرى تابعة لقوات الأسد، واثنتين منها من طائرات بدون طيار، بحسب ما وثّق مراسل «زيتون» في المحافظة نقلاً عن مركز إدلب الإعلامي.
و شهدت المحافظة بالمجمل تفجير 13 مفخخة وعبوات ناسفة في مناطق مختلفة، فيما بلغ عدد شهداء مدينة إدلب وحدها خلال هذه الفترة 162 مدنياً، في حين لم يصدر توثيق رسمي بعدد الجرحى.
إدلب خاوية على عروشها
تعيش المدينة أوضاعاً صعبة بعدما هجرها أكثر من نصف أهلها، هرباً من القصف، الذي طال أغلب الأحياء.
إلا أن بلال واحداً من الذين أصّروا على البقاء في مدينة إدلب، في أخطر الأيام التي مرّت بها، خلال الفترة الماضية، وظلّ يعدّ الغارات التي تستهدف مدينته، وتقتل أهله، وما بين إنقاذ الجرحى، ودفن الشهداء، عاش ورفاقه أقسى الظروف.
حيث كثّف الطيران الروسي وطيران قوات الأسد غاراته الجوية على مدينة إدلب لمدة خمسة عسر يوماً، ما خلّف دماراً كبيراً، وعشرات الشهداء ومئات الجرحى، ودفع ذلك لحركة نزوح غير مسبوقة، لتغدو إدلب خاوية على عروشها بعدما هجرها أهلها إلى الريف الجنوبي.
يقول بلال: إدلب مدينة منكوبة بكلّ المقاييس، وأكثر ما يجعلها مدينة مرعبة، عندما تغيب الشمس ويخيّم الظلام، لا أحد في الشوارع، أي صوت تصدره يصل لحارات بعيدة من بيتك، كانت الطائرات لا تفارق السماء في تلك الفترة، وعند كلّ استهداف يحدث دمار كبير في المكان، ويقضي العديد من الأهالي نتيجة القصف.
يتابع بلال: الناس ملّت من استمرار القصف، وأصابهم حالة من الإحباط، فهربوا، منهم من نزح إلى سلقين ومنهم إلى حارم وكفرتخاريم، ومنهم من نزح إلى جبل الزاوية، تركوا كل شيء خلفهم وهربوا.
تتجول في حارات إدلب، فتطالعك بقايا أبنية، كانت بالأمس، تغصّ بأهلها، وسط الدمار الذي لحق بالكثير من الأبنية، يقف يوسف، يبحث عن أي عائلة تحتاج شيئاً ما، بعدما أخذ على عاتقه هو ومجموعة من شباب المدينة، توصيل الحاجيات الأساسية للبيوت، يقول يوسف: يوجد الكثير من العائلات لم تجد مكاناً تنزح إليه، فبقيت في بيوتها داخل المدينة، والغالبية منهم لا يوجد معيل لهم، وبالتالي تأمين ربطة الخبز أمر صعب، فالبنت أو المرأة لا تستطيع الخروج من المنزل في هذه الأيام، ولكن بالمجمل المدينة شبه خالية من السكان.
استهداف المرافق الطبية:
ومنذ بداية القصف تتعمد طائرات الأسد والطائرات الروسية، استهداف المرافق الحيوية في المدينة، حيث تم استهداف ثلاث مشافي ومبنى مديرية الصحة، ما تسبب بضرر كبير في الأبنية والمعدات، وفي حديث لـ «زيتون» قال مسؤول الرعاية الصحية في مديرية صحة إدلب الحرة، إن نسبة الضرر تراوحت من (3 إلى 6 على عشرة) وهو تقييم طبي يدل على أن التأثير كان محدوداً ولم تخرج أي مؤسسة صحية عن العمل.
يقول عبد الحكيم رمضان: كان أشدّ الغارات ضرراً، القصف الذي استهدف مبنى المشفى الوطني حيث تم استهدافه بصاروخين فراغيين أصاباه بشكل مباشر علماً أن المبنى يحوي داخله مركز الطبقي المحوري الذي يعد المركز الوحيد في محافظة ادلب، ويخدم جميع سكان المحافظة بالإضافة إلى سكان المناطق المحررة المجاورة.
ونفياً لما تناقلته وسائل إعلام عدّة عن نزوحٍ للكادر الطبي قال رمضان: لم يكن هناك أي خسارة أو نزوح للأطباء والكادر الطبي, إنما تم إيقاف العمل مؤقتاً، على أن يتم استئنافه تدريجياً حسب نسبة الضرر و إمكانية إعادة التفعيل.
وكشف عن خطة طوارئ للعمل ضمن الأوضاع التي وصفها بالعصيبة, «حيث تعمل المنشئات بنصف الكادر الموجود، ويتم تبديل الطاقم العامل بالتناوب بشكل يومي بحيث تبقى المنظومة الطبية فعالة و بنصف الكادر الموجود».
وطالب رمضان باتخاذ إجراءات سريعة بخصوص استهداف المنشئات الصحية في الداخل السوري بشكل عام، موضحاً أن الحالة الطبية في المناطق المحررة إلى تراجع، وستكون بوضع سيء جداً إذا لم يتم وقف الاستهداف، مختتماً: «نأمل من المنظمات الإنسانية أن تقف إلى صفنا في هذه المحنة».
امتحانات تحت القصف:
خلال الأيام الماضية من الاستهداف المكثّف عانت مدينة إدلب من صعوبات في تأمين مادة الخبز، لمن تبّقى من مدنيين، بسبب توقف أغلب أفران المدينة عن العمل، خوفاً من القصف، ولعدم التجمع في مكان واحد، فغالباً ما يستهدف النظام الأفران والمؤسسات الغذائية، إلا أن منظمات إنسانية تعمل خارج إدلب بقيت على تواصل دائم مع مندوبين لها في المدينة، وعملت على إيصال المواد الأولية للذين لم يتمكنوا من النزوح.
إلى ذلك أوقفت مديرية التربية الحرة وقتها، امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، قبل انتهاء الامتحان بأيام قليلة، لما لاقاه الطلاب من رعب أثناء الامتحانات، وقد سجلت مديرية التربية حالة استهداف واحدة للطريق المؤدي لأحد المدارس، والذي تسبب باستشهاد طالبة، وجرح عدد آخر.
وخلال اليومين الماضيين أعادت المديرية العمل بالامتحانات، لكلا المرحلتين بعدما حددت وقتاً للتقديم، في ساعات الصباح الأولى، والتي غالباً ما تكون فيه السماء خالية من القصف.
نازحون يفترشون العراء:
ينقسم النازحون من أبناء مدينة ادلب إلى قسمين، منهم من ينزح إلى الأراضي الزراعية، ليفترش الأرض بيتاً، منذ ساعات الفجر الأولى ثم يعاود إلى بيته في المساء، ومنهم من هجر المدينة إلى أن تهدأ أوضاعها الأمنية.
رهام، التي يقع بيتها في منتصف المدينة والتي تسكن مع أمها وأختها، نزحت إلى منزل أختها المتزوجة في إحدى قرى ريف إدلب الشمالي، تقول في حديث لـ «زيتون»: لم يكن يوماً عادياً، أصوات القصف والطائرات كانت تملأ المكان، رعب وحالة من الهلع والذعر كانت تعم المدينة، كنا نختبأ في الطوابق الأولى من بنايتنا و نقف في الكارديور، ورغم كثرة عددنا إلا أن السكون كان هو المسيطر، الكل يترقب والكل يتلو في قلبه آيات النجاة، حتى سمع الجميع صوت هدير يقترب وفي أجزاء من الثانية أحسست بشيء يمشي في رقبتي وبعد برهة قصيرة وإذا بجارنا الصيدلاني أبو أحمد يقول ضعوا شيئاً على شعرها كي نخيط جروحها وبعد أن تمّ إسعافي من قبل العاملين في الدفاع المدني وتماثلت للشفاء، غادرنا أنا وأمي وأختي منزلنا الذي لم يعد صالحاً حتى ليحمينا من أشعة الشمس، وتوجهنا إلى منزل أختي المتزوجة حيث كان منزلها في حارة لم تقصف بعد.
تتابع رهام: مع اشتداد القصف في اليوم التالي اضطررنا للانتظار حتى الصباح وفي تمام الساعة الخامسة توجهنا إلى منزل أختي المتزوجة الثانية في إحدى القرى المجاورة، وعلى الطريق كانت مئات من العوائل يفترشون التراب و يلتحفون السماء، إلى أن وصلنا إلى منزلها، الذي كان يحتضن 4 عائلات غيرنا من أقارب زوجها و إخوته و أهله.
وإلى ريف إدلب الجنوبي وصلت عشرات العائلات، من المدينة، وقد اتخذ بعضهم من مدينة كفرنبل مكاناً للسكن المؤقت، ونظراً لحالتهم الصعبة، لكونهم هربوا بشكل مفاجئ، عملت جمعية شام الخيرية على تقديم بعض المساعدات لهم، وقد تحدث عن هذا الجانب مديرها فضل العكل قائلاً: بعد موجات النزوح السابقة من ريف حلب شهدت مدينة إدلب حركة نزوح غير مسبوق وكانت مزارع إدلب لها النصيب الأكبر من النازحين، وقد فاق عدد العوائل النازحة النسبة المتوقعة والقدرة الاحتمالية، ونحن في جمعية شام قمنا على الفور بتقديم العون لهم، بالتنسيق مع الإخوة في تلك المنطقة، من خلال تقديم وجبات غذائية للعوائل التي كان نزوحها نهارياً، حيث أنهم يخرجون في ساعات الصباح الباكر أغلبهم مشياً على الأقدام مما يصعب عليهم حمل شيء معهم، وهناك قسم آخر من النازحين توجه إلى مناطق بعيدة في الريف الجنوبي حيث قمنا على الفور بتأمين مساكن لهم في الوحدات السكنية المخصصة لهذا الغرض وفي مراكز الإيواء المتوفرة والمدارس قمنا بتجهيز بعضها بسرعة فائقة لاستقبال قسم منهم، وهناك عدد من العوائل تم استئجار بيوت خاصة لها على نفقتنا.
ولكن يرى هيثم، وهو أحد النازحين إلى الريف الجنوبي أن بعض ضعاف النفوس قاموا باستغلال النازحين، حيث وصلت أجرة المنزل المؤلف من غرفتين ومنافعهما لـ 30 ألف ليرة سورية، وهناك أناس لم يقبلوا أن تؤجر إلا بالدولار الأمريكي، وهذه المبالغ تعد كبيرة جدا بالنسبة للدخل الضعيف والظروف القاسية التي يعيشها أغلب الناس.
دوريات داخل المدينة المهجورة:
وسعت أمنيات مدينة إدلب بزيادة عدد الدوريات ليلاً ونهاراً داخل المدينة، للحيلولة دون وقوع حالات سرقة ونهب من بعض ضعاف النفوس أثناء نزوح الأهالي و استغلال الوضع الأمني .
وفي هذا الجانب يتحدث المستشار في محكمة الهيئة بإدلب مصطفى الرحال: لقد أوقف العمل في بعض المحاكم بسبب الهجمة الشرسة على المحافظة وريفها وتم تنظيم مناوبات دورية للقضاة، وعناصر التحقيق، لحل مشاكل واستفسارات الناس، ولكن ليس هناك حتى اللحظة احصائية لعدد النازحين بسبب صعوبة الأوضاع.
للحياة من جديد:
وتدريجياً عادت الحياة إلى طبيعتها في مدينة إدلب بعدما هدأت وتيرة القصف، وبدأت الأفران تعمل من جديد، وفتحت الأسواق، وعاد بعض أهلها، في حين فضّل البعض الآخر عدم العودة لتهدأ بشكل أكثر.