زيتون – عمار الشاعر
ليس غريباً عن المحبكجية تسابقهم «لتمسيح» أحذية السلطة و»تأليه» الأسد، بل والسجود له. وليس غريباً عن هذا النظام أن يضحي بهؤلاء، ويذهب بعيداً في إذلالهم، ليلفق التهم لهم.
تهمٌ تودي بهم للسجن المؤبد أو للإعدام، أو الموت تحت التعذيب.
حالات انتقامية كثيرة قامت بها أجهزة الأمن الأسدية بحق هؤلاء لأسباب شخصية أو حتى بسبب اختلاف على تقاسم السرقات، أو لمجرد اختلاف بسيط.
(سامر 34 عاماً)، يقيم في أحد الأحياء الموالية في مدينة حمص، وينحدر من عائلة حمصية أصيلة. مع بداية الحراك الثوري اختار أن يقف إلى جانب استبداد الأسد على حساب دماء أبناء مدينته وأقاربه.
يعمل سامر «فني كهربائي» للسيارات، ويقوم بإصلاح سيارات الضباط والشبيحة، وأحياناً يذهب معهم لسرقة بيوت أحياء حمص القديمة التي ينحدر هو منها!، ولم يكن سامر يتوقع يوماً أنه سيدفع ثمن وقوفه إلى جانب القتلة غالياً جداً.
كان يتخيل أنه يعيش بدولة القانون، رغم مشاهداته اليومية لقتل الشعب السوري في بيوتهم الآمنة.
شعور أم سامر بالخطر
تقول والدته: ما أردت لولدي أن يقف إلى هذا الحد مع نظام الأسد، ولكنني في نفس الوقت كنت أخاف عليه من الاعتقال إذا ما وقف مع ثورة أبناء مدينته، ولم أتوقع أنه سيتعرض للاعتقال رغم وقوفه مع نظام الأسد.
وتضيف أم سامر: قبل تاريخ اعتقاله بشهر قال لي إن أحد ضباط الأمن العسكري طلب منه إصلاح كهرباء سيارته، ففعل سامر، وحين عاد الضابط لاستلام سيارته لم يكن معه سوى ثلاثة آلاف ليرة سورية، فيما كلفة التصليح ثمانية آلاف.
وتتابع: طلب الضابط سيارته على أن يعود لاحقاً ليعطي سامر خمسة آلاف، لكن سامر رفض، وقال للضابط: «لن أعطيك سيارتك حتى تعطيني المبلغ كاملاً»، فما كان من الضابط إلا أن ذهب وأحضر المبلغ كاملاً، لكنه قال لسامر: سأجعلك تندم على اليوم الذي ولدتك فيه أمك.
تقول أم سامر : شعرت بقلق كبير وعتبت على ولدي لكنه ضحك قائلاً: نحن في دولة القانون، دولة الأسد قائدنا العظيم.
يوم اختفاء سامر
1/9/2014 يومٌ لا ينساه أهل سامر ولا حتى أهل حمص الذين يعرفون سامر جيداً.
تقول أمّه: اختفى ولدي على إحدى الحواجز وتبين لي لاحقاً من خلال بعض المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم من فرع الأمن العسكري أن الضابط نفسه لفّق لولدي تهمة تفخيخ سيارة كانت قد دخلت حي «الزهراء» الموالي، والتي تسبب انفجارها داخل الحي قبل عام بمقتل العشرات من مؤيدي الأسد.
وتضيف أم سامر: الأمر بسيط بالنسبة لأجهزة نظام الأسد فلقد لفقوا التهمة له، وأجبروا عدداً من المعتقلين على الاعتراف بأن ابني سامر هو من جهّز هذه السيارة التي قاموا هم بإدخالها للحي قبل عام بحسب إملاء الضابط نفسه.
وبدمعة وغصّة تختم أم سامر قائلة: دفعت كل ما أملك لأتمكن من إنقاذ ولدي ولكن دون جدوى، ولكي أعلم أين هو دفعت أكثر من مليون ليرة سورية، وعلمت أنه الآن في «الغرفة الحمراء» داخل سجن «صيدنايا» بعد أن حكموا عليه بالإعدام.
حالات فردية أم منهجية مدروسة؟؟
ليست قصة سامر هي الوحيدة من بين قصص الاعتقال والقتل التي تطال «المحبكجية» الذين ينظر النظام إليهم على أنهم عبيد.
أبو حيدر 28 عاماً عنصر مفرغ لصالح الأمن السياسي كان يقوم ببيع التبغ العربي بأسعار خيالية من خلال وسيط يُدخل هذه المادة إلى حي الوعر المحاصر، وبتغطية من حاجز المزرعة المجاور والذي كان له حصة الجمل.
ومع مرور الأيام اختلف أبو حيدر بخصوص تقاسم الأرباح مع رئيس الحاجز، ما حرك دافع الانتقام لدى رئيس الحاجز بحسب حسام وهو معتقل سابق يروي قصة أبي حيدر.
يقول حسام: كنت معتقلاً في فرع الأمن السياسي بحمص بتهمة التظاهر وذات يوم أدخلوا لنا رجلاً تكاد معالم وجهه تختفي لشدّة الضرب الذي تعرض له في حاجز المزرعة.
ويضيف حسام: تعرض أبو حيدر للتعذيب حتى الموت داخل الفرع بسبب اختلاف بينه وبين مسؤول حاجز المزرعة حول تقاسم الأرباح، فما كان من الأخير إلا أن اتهمه بإدخال الطعام والذخيرة «للإرهابين» داخل حي «الوعر» بل والتعامل معهم وإفشاء أسرار الحاجز لهم.
طبيعة الأجهزة الأمنية التي صنعها الأسد الأب
كثيرة هي الحالات الانتقامية بحسب كثير من الشهادات والحوادث، في صفوف قوات الأسد وأجهزتة الأمنية لتعتبر ظاهرة حقيقية، تعكس مدى حقد وهمجية هذه الأجهزة التي دأب الأسد الأب على جعل كل فرع منها متسيداً بذاته ومتجسساً على بقية الأفرع بحسب العميد المنشق عن نظام الأسد صلاح بسيريني.
ويقول العميد صلاح: كانت الأفرع الأمنية تتجسس على بعضها البعض من أجل تقديم الولاء لنظام الأسد وتتسابق بالإجرام وتزاود على بعضها البعض .
ويضيف: كان نظام الأسد يقدم مساحة واسعة أمام هذه الأفرع من الفساد والسرقة والتشبيح لتبقى المنافسة بينها في الإجرام حاضرة وليضمن النظام من هذه الأجهزة الأمنية ولاءها المطلق، وعدم التنسيق فيما بينها خشية الإنقلاب عليه.
و المعروف تماماً لدى جميع السوريين أن التهم جاهزة لجميع السوريين مهما كانت مواقعهم من خلال منهجية مدروسة من قبل هذا النظام، بعد إحداث ما يسمى بمحكمة الأرهاب، التي غيبت عشرات آلالاف السوريين، معارضين كانوا أم موالين.