زيتون – أسعد شلاش
كم كنت أخشاها، أخافها وأمقتها وهذا ما جعلها تربك حركتي في مكاني الجديد الذي نزحت إليه، فهي كثيرة هنا ويربيها جميع الجيران المحيطين بمنزلنا الجديد حتى أن البعض لا يكتفي بتربية كلب واحد فقد يحوز على اثنين أو ثلاثة، وقد تعرضت لأكثر من موقف مثير معها هنا مع أنه لم يمضي على وجودي إلا أيام قليلة، ولكي يكتمل النقر بالزعرور فقد خيّم في الآونة الأخيرة جماعة من البدو الرُحّل غير بعيد عن بيتنا ويحرسهما زوج من الكلاب وهذا ما قد يؤدي إلى شبه شلل في حركتي.
في أحد المرات وعندما كنت عائداً من بيت أحد الجيران حاملاً معي (ربطة خبز) وقبل أن يقترب مني أحد كلاب جيراننا الجدد «البدو الرُحّل» رميت له قطعة من الخبز راح يلتهمها بسرعة وفي الحال قفزت إلى رأسي فكرة أن أكون لئيماً وأستغلّ جوعه لكسب ودّه لعلمي أنه جائع بشكل دائم لعدم اهتمام مربيه البدو به، وفعلاً رحت أرمي له قطعة صغيرة كل عدّة خطوات وهو يتبعني حتى إذا ما وصلت إلى منزلي رميت له القطعة الأكبر.
كرّرت ذلك أكثر من مرّة بعدها صار يختار مكاناً لجلوسه بحيث يبقى مشرفاً على منزلنا وبمجرد أن أخرج وأصرخ باسمه المتعارف عليه عند مربيه (بارود) وألوّح له بقطعة الخبز يأتي مسرعاً، وعندما أمنعها عنه يجلس منتظراً إلى حين أن أرميها، وهكذا حتى استقرّ به الأمر وصار لا يبرح من أمام المنزل.
بارود كلب كبير الحجم قويّ البنية وشرس جداً، لكن شراسته محسوبة بدقة، فعندما نكون في المنزل ينبهنا بعوائه إذا كان القادم من غير الجيران أو من غير الضيوف الذين اعتاد أن يراهم عندنا، وإن كنّا خارج المنزل كان يحرص على الجلوس في الفرندة ويظهر كل شراسته على كل من يحاول الاقتراب من المنزل من غير مربيه الأوائل، له من القوة ما تمكنه من منازلة كل كلاب المنطقة وطردها ومن جهة أخرى كثير ما كنت أستغربه وهو ممدّد في الظل وصيصان الدجاج الصغيرة تنقر الحب من حوله وأحياناً كثيرة تصعد على ظهره دون أن يعضها بل حتى أن يزعجها بخلاف ذلك الكلب الصغير الذي كان يستلقي على الأرض ويقوم بحركات بهلوانية فيها الكثير من التذلّل للحصول على القليل من الطعام منّا، ويمضي وقته متنقلاً في المنطقة يتلصّص على ما يمكن أن يسرقه وعادة ما كان يكمن في مكان ما متحيناً الفرصة كي يسرق دجاجة من دجاج الجيران وإن لم يجد لا يتوانى عن السرقة من دجاج مربيه والذي كان يقول لي أن هذا الكلب غريب في أطباعه، فمع أنني ربيته منذ أن كان صغيراً جداً، فأنا لا أؤمن جانبه فهو يغافلنا ليسرق أفراخ الدجاج.
أما جيراننا من الطرف الثاني كان لديهم ثلاثة كلاب استطعت أن أكسب ودّ اثنين منهما فهما غير شرسين ويمكن ترويضهما ببعض الطعام أما الثالث فلا يمكن أن تخدعه أو تروّضه مهما رميت له من طعام فهو يعوفه ولا يتناوله ولا يمكن أن يسمح لك بالدخول إلى حِماه إلّا برفقة أحد مربيه.
أما أخطر وأخسّ ما كان حولنا من كلاب ذلك الذي يتبعك عندما تخرج من بيت مربيه دون عواء ويحرص على أن لا يصدر أي صوت يشعرك بأنه يتبعك وعندما يجد الفرصة المناسبة ينقضّ عليك من الخلف ليعضّك.
وأخيراً فإُن ما خبرته أن طبائع الكلاب وعاداتها مختلفة لكن القاسم المشترك بين كل هذه الكلاب مع اختلاف طبائعها أن جميعها تعرف حِماها (أي حدود الأرض الجغرافية التي يجب عليها الدفاع عنها) وأغلبها تؤدي مهمتها بشراسة، وإن أغلبها ما يطارد أية آلية متحركة سيارة وما شابه ذلك تقترب من حِماه، والحقيقة لم أكن أعرف السبب في ذلك إذا كانت تعرف مسبقاً أنها لن تصل إليها وحتى لو وصلت لا يمكنها فعل شيء معها، هل هي تفعل ذلك لكسب ودّ مربيها أم غباء منها؟ إذا تجربتها في مطاردة هكذا آليات لم توصلها إلى شيء.
وأخيراً فإنها جميعاً ودون استثناء لا يمكن أن تسيء لمربيها فمهما قسي عليها وعنّفها بالضرب المبرح لا يمكن أن تؤذيه ولا أعرف إن كان هذا من باب ذل أم من باب الوفاء؟.