زيتون – أسامة العيسى
بعد وصول الآلاف منهم إلى الدول الأوروبية، تبرز الإشكالات المتعلقة باحتمالات التبدل الاجتماعي والاقتصادي للاجئين السوريين على رأس المسائل محل البحث، من حيث تأثيرها من عدمه في نمط التربية والسلوك، فضلاً عن درجة التأثير نفسه في ما تسميه دول الاتحاد الأوروبي نفسها بعملية «الاندماج»، والتي تضع كل دولة منها برنامجاً خاصاً للتعامل مع المهاجرين – ومنهم السوريين – من خلاله.
خلافات كبيرة ووجهات نظر متعددة تظهر على السطح بوضوح عن الحديث عن قضية «اندماج» اللاجئين السوريين في الدول التي وصلوا إليها كلاجئين، جراء العنف المستمر في البلاد، والذي تسبب فيه النظام السوري بتشريد الآلاف منهم، حتى وصلوا إلى «دول تختلف عن سوريا من حيث المعتقد، الثقافة، العادات، اللغة والبيئة» وفق ما يرى خالد سرميني اللاجئ في الدنمرك من ريف حلب.
وأوضح خالد في حديث لـ»زيتون»، أنه يخشى على عائلته المكونة من طفلين صغيرين، بالإضافة إلى زوجته، من أية احتمالات لتوطنهم من الجانب النفسي في البلد التي وصل إليها منذ العام 2015م ولا زال مقيماً في عاصمتها كوبنهاغن، حيث يروي أنه بالكاد يستطيع السيطرة على السلوك الخاص بطفليه، اللذين يبلغ الأكبر منهما 12 عاماً والأصغر 8 أعوام، نتيجة ما يقول إنه «زرع الفكر التحرري في ذهن الأطفال تجاه المعتقدات والعادات التي تربوا عليها في وطنهم الأصلي» على حد تعبيره.
هدى محمد، لاجئة في هولندا، البلد الأوروبي المجاور للدنمرك، تشاطر خالد رأيه وتعتبر من وجهة نظرها، وهي مختصة في مجال «تربية الأطفال» وتحمل درجة الإجازة الجامعية في ذلك أن «تغير النمط السلوكي للطفل في كافة دول أوروبا، أو حتى على مستوى الأسرة السورية، يعد نتاج طبيعي لمجموعة العمليات الموجهة المضادة تجاه صهر اللاجئين، لا سيما فئة الأطفال منهم في المجتمع الجديد».
وتضيف «بالتحديد فئة الأطفال تعتبر الشغل الشاغل لكافة الدول الأوروبية على صعيد التعامل مع القادمين الجدد هذه المسألة يدركها كل اللاجئين، لا سيما السوريين منهم. في بلدك سوريا كان بإمكانك إذا شذ الطفل عن طريق التربية السليم وفق معتقدات الأسرة ونمط تربية المجتمع ومجموع القواعد الناظمة للحياة أن ترده، بينما هنا هذا الأمر ليس متاحاً لك كأب أو كأخ أو كزوج، ولا العكس كذلك بالنسبة للزوجة على صعيد التعامل مع أطفالها، وهذا الشيء بكل تأكيد سلبي ولا يحمل إيجابيات برأيي».
«أبو يزن زعبي»، من درعا، مقيم هو الآخر في السويد إحدى دول الشمال الأوروبي، يفيد بأنه دخل في خلاف كبير مع «دائرة الخدمات الاجتماعية» في مكان إقامته جنوب السويد، وهي المعروفة بين السوريين باسم «السوسيال»، وذلك بعد أن أقدم على ضرب ابنه البالغ من العمر 15 عاماً، نتيجة إقدامه على ممارسة تصرفات مخلة بالحياء ما كان يقدم عليها في سوريا، وفي الأردن، الدولة التي قدموا منها ومكث فيها «أبو يزن» وعائلته المكونة من 3 أطفال وأمهم مدة عام ونصف.
ويتابع «أبو يزن» قائلاً: «هنا وجود ما يسمى (السوسيال) بحد ذاته كارثة، إنهم يعلمون الأطفال والنساء على أشياء غريبة عجيبة، يريدون منهم أن يندمجوا مع المجتمع. ببساطة عليك أن ترى ابنك أو ابنتك أو زوجتك في صورة لا ترضاها أنت، أياً كانت، وعليك تقبل ذلك وإغلاق فمك، وإلا ستتعرض للتهديد بسحب الأطفال منك أو نقل الزوجة بعيداً عنك، وتسليك الأطفال إلى أحد السويديين ليتولى رعايتهم مقابل مبلغ من المال طائل تدفعه الدولة السويدية».
في المقابل، ترى مها خ.ح وهي لاجئة من ريف حماة في ألمانيا أن ما يقال عن الاحتمالات السلبية لاندماج اللاجئين السوريين في المجتمع الأوروبي هو أمر تعوزه الدقة.
وتضيف «هذا الأمر نسبي ومعياري، لا يمكن لأحد إطلاق الأحكام الجزافية على مجموع الناس، هناك أناس كانت منحلة في سوريا أو في المناطق التي أتت منها، وهؤلاء سيبقون على ما هم عليه هنا في أوروبا، أو أن هناك أناس لديهم استعداد أصلاً للانحراف، في الجهة المقابلة لديك أناس محافظين وأسر تربت على عادات ومعتقدات تؤمن بها، وليس من السهل زحزحتها عنها تحت أي ظرف، وأنا واحدة منهم..».
ويعتبر زكريا أحمد، وهو لاجئ سوري من إدلب في السويد أيضاً أن «الهوية الأوروبية» لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، ويضيف «هذا شعب يختلف عنا بكل شيء، هم تربوا على نمط معين ونحن على نمط مختلف كلياً، ويردف «أنا أخشى في الحقيقة أن أبقى هنا طوال الحياة، أو أن تطول بنا الأزمة ونحن لاجئين هنا. أتمنى اليوم قبل الغد أن تتاح لي الفرصة للعودة إلى أهلي ووطني، لا شيء يوازي الوطن أبداً..».