زيتون – بشار فستق
حُملت سيّارة الممثّلة «غادة الشمعة» في أحد شوارع وسط العاصمة دمشق على أكتاف شبّان شُغفوا بهذه الجريئة، فاغتنموا فرصة حضورها في إحدى صالات السينما، وعند خروجها وركوبها السيّارة بادروا بحملها والسيّارة تعبيراً عن رغبتهم بها.
سواء أكان هذا الحدث حقيقيّاً أو مختلقاً، أو أنّ بعضاً منه فقط قد حصل فعلاً، فإنّ حرس حافظ أسد الخاصّ (الجمهوريّ) أعاد أداء هذه الحركة بشكل تمثيليّ، بعد أشهر قليلة، ويبدو أنّ الحرس قد تدرّب خلالها على عمليّة الحمل، بحيطة وحذر وقوّة، لا تخلو من الصعوبة، فالسيّارة الرئاسيّة أكبر حجماً وأثقل وزناً بما لا يقاس، فهي مصفّحة ومزوّدة بأجهزة وتحتوي على جسد الشخص المكلّفين بحمايته. لكنّ الحركة المسرحيّة نُفّذت بنجاح، وكانت الكاميرات جاهزة مسبقاً، بالطبع، لتسجّل، فأيّ ممّا يجري ويتعلّق بالقائد هو أمر جلل، مهما كان تافهاً أو مصطنعاً.
تمثيليّات أسديّة أخرى قبلها، كانت قد نُفّذت بعد حرب تشرين الثاني 1973، حين تمّ الاتّفاق مع وزير الخارجيّة الأميركيّ على مشهد رفع علم وسط القنيطرة المدمّرة، ففي الوقت الذي كانت القوّات الإسرائيليّة تسيطر حتّى على الطريق المؤدّية إلى المدينة، تمّ التصوير على أساس سيناريو يقوم فيه حافظ برفع العلم مرتدياً البذّة العسكريّة، بعد أن انتهى التوقيع على تسليم الجولان، ولم يعد تحت سيطرة القوّات السوريّة شبر واحد خارج ساحة التصويرـ
كرّست تسمية (بطل الجولان) عبر تكرارها في وسائل الإعلام، وكُتبت حتّى على الجدران، رغم أنّ إسرائيل أعلنت بعدها ضمّ الجولان رسميّاً إليها.
لم تصدر أفلام وثائقيّة عن أيّة جهة من جيش أو أمن أو إعلام حول «انتصارات تشرين» سوى بضع لقطات تمثّل صاروخاً ينطلق من الأرض إلى السماء ويفجّر طائرة، واستُخدم هذا الشريط الذي لا يزيد طوله على بضعة ثوان في جميع ما عرض من أفلام أو أغان. وعرضت دور السينما والتلفزيون أفلاماً قصيرة سوريّة، ثمثّل صعود جنود إلى مرتفع ترابيّ، حيث يقوم أحد الجنود بغرز سارية العلم بطريقة استعراضيّة نافخاً صدره، وحوله نار مصطنعة، كما يقوم جندي آخر بحمل زميله المصاب على ظهره، وكأنّه كيس، على اعتبار أنّه يسعفه. أي أنّ الفيلم – باختصار – يدعو إلى الخجل.
منذ أسابيع قليلة مرّت، رتّب إعلام عصابة النظام لقاءات تلفزيزنيّة ليقول فيها رأس العصابة: إنّه يحبّ أن يذكره التاريخ «كحامي لسورية وسيادتها من الإرهاب والتدخّل الخارجيّ»!
في لحظات تصوير وبثّ هذا اللقاء، كان طيران التحالف (الأميركيّ)، الذي صار يملك قواعد قرب عين العرب، يقصف عدّة مناطق من سورية، وكذلك الطيران الروسيّ، الذي أصبح يملك أكثر من قاعدة في الساحل، يقصف مدناً سوريّة؛ وتنتشر قوّات لم يعد أحد يعرف أسماءها على امتداد التراب السوريّ، الذي يرغب ابن «بطل الجولان» بأن يسمّي نفسه «حاميه» بلا خجل.
فما اسمه إذن هذا «الحامي البطل»؟!
لا يستقيم أن يُسمّى أيضاً «بطل الجولان» لأنّها صارت نكتة رهيبة في سخافتها. هل يمكن أن يطلقوا عليه لقب: بطل داريّا أو سراقب؟ وهل ستؤلّف الأغاني حول بطولاته في المدن السوريّة وأحيائها وقراها، خاصّة إذا ترافقت بصور الشبّيحة المحيطين به، والميليشيات الطائفيّة العالميّة، والبراميل المتفجّرة تتساقط على الأفران والمشافي؟.
في فيديو قصير، أشبه بالكاميرا الخفيّة، نرى مصافحة بين وزير الدفاع الروسيّ ورأس العصابة الذي استُدعي للتصوير في قاعدة حميميم، وهو لا يعرف من سيقابٍل. إذ قال: إنّها مفاجأة، أن يلتقي بوزير الدفاع الروسيّ شخصيّاً. وقد حرص الإعلام الروسيّ على عدم إخفاء الصوت في الشريط، على عكس تلفزيون العصابة الذي اختصر الفيديو وبثّه بلا صوت. فهل يصحّ تسمية رأس العصابة بـ (بطل حميميم) لأنّه سلّمها إلى الروس؟.
منذ أيّام قليلة، تبدّلت لائحة الكومبارس في شركة «القيادة القطريّة»، فشُطبت أسماء من جرت تصفيتهم أو استبدلوا، وبقي رأس القيادة، فهل يصحّ أن يسمّى (بطل القطريّة)؟
لا، فسيعترض من وقف في إحدى أكثر التمثيليّات انحطاطاً في الرياء، وقال: «الوطن العربي قليل عليك.. أنت لازم تقود العالم». فهل يمكن أن يسمّوه (البطل قوّاد العالم)؟ خصوصاً وأنّه – أي بطل العالم – ابتسم تلك الابتسامة البلهاء الشهيرة، بل وضحك مصدّقاً.
عندما سيُكتب السيناريو لإطلاق لقب (بطل العالم) على الكائن الأكثر بلاهة وإجراماً في العالم، ألن يسأل الكاتب نفسه: ما هو المجال الذي كان فيه ابن بطل الجولان، بطلاً للعالم؟ أهو في رمي البراميل أم التدمير أم التشريد أم القتل أم الخيانة؟.