شاركت المرأة السورية منذ آذار/ 2011 بشكل فعال في كافة مجالات الثورة في سوريا، فساهمت في تنظيم المظاهرات والوقفات السلمية، كما قدمت المساعدة الطبية والإغاثية، ونتيجة لدورها الأساسي فقد تعرضت للقمع والاضطهاد من قبل النظام السوري، لا يخف على أحد بعد مرور أربع سنوات من اندلاع الثورة واختلاف المراحل التي مرت بها منتهية بالطابع الإسلامي الذي تطرف اتجاه المرأة بشكل خاص، فقد أخذت الجهات المسيطرة في بعض المناطق السورية موقف الخصم منها وكأنها باتت مصدرا للخوف والقلق وأمعنت تلك الجهات في إصدار القوانين المزينة بشعارات إسلامية بدعوى تطبيق الشريعة، فتحولت المرأة السورية الى رهينة بدل أن تكون شريكة في صنع القرار على الأرض و بناء المجتمع.
كل ذلك لا يعني أن المرأة كانت تعيش بحال أفضل قبل آذار 2011 فقانون النظام السوري كان أكثر مكرا إذ جعل من المرأة ديكورا ليخدع العالم وليسوق نفسه على انه متحضر في الوقت الذي حط من مكانتها و حرمها من حقوقها و شرع القوانين الخاصة بها على أساس العرف و التقاليد التي تمنح للذكر حق التسلط عليها.
المرأة بالأرقام:
و بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد قتل ما لا يقل عن (15347) امرأة على يد القوات النظامية، بينهن (4194) طفلة، كما قام تنظيم داعش بقتل ما لا يقل عن (81) امرأة، فيما قتلت كافة الفصائل المسلحة الأخرى (255) امرأة.
كما تعرض ما لا يقل عن (6500) امرأة لتجربة الاحتجاز لدى القوات النظامي ، مازال قرابة (2500) منهن قيد الاحتجاز أو الاختفاء، قتلت منهن (32) امرأة بسبب ظروف التعذيب و تتعرض المعتقلات إلى أساليب التعذيب نفسها التي يتعرض لها الرجال تقريباً، وقد احتجز تنظيم داعش قرابة (486) سيدة، واحتجزت فصائل مسلحة مختلفة ما لا يقل عن (580) امرأة، هذه إحصاءات الشبكة السورية لحقوق الإنسان لنهاية عام 2014.
التضييق على المرأة:
كان واضحا تراجع دور المرأة بشكل ملحوظ في المرحلة العسكرية للثورة، واقتصر فيما تبقى منه على تقديم دعم طبي وإغاثي بشكل عام وتفاوتت مشاركة النساء في المجتمع بحسب طبيعة الإدارة التي تتحكم بكل منطقة (مدنية – إسلامية معتدلة – إسلامية متشددة)، كل ذلك أدى الى ضرورة وجود رجل بشكل دائم بصحبتها وإلا ستتعرض للمضايقات والانتقادات من الجميع سواء الأهالي أو الجهات العسكرية المتواجدة في المنطقة.
كما يفرض على المرأة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش القوانين التي يفرضها، وقد أنشأ سجوناً خاصة بالنساء تشرف عليها عاملات تابعات للتنظيم، أغلبهن من المتزوجات من مقاتلي التنظيم، كما تقوم «كتيبة الخنساء» التابعة لتنظيم داعش بملاحقة النساء وتفتيشهن تفتيشا دقيقا وتبدأ المخالفات بعدم وضع الخمار أو النقاب، وتوجيه تهمة الفحش في المظهر، أو إثارة الفتنة، أو عدم الالتزام باللباس الشرعي، وتتراوح مدة الاعتقال بحسب التهمة الموجهة، وقد تنتهي بالجلد أو الرجم أو الإعدام.
لم تترك داعش مجالا لعمل المرأة إلا وفرضت قيودا وقوانيناعليها، فقد منعت داعش المرأة من الخروج من المنزل من دون وجود محرم، وفرض عليها لباسا محددا أثناء تنقلها، كما قام بالتضييق عليها وذلك بإغلاق المحال التي تديرها منها صالونات التجميل، ومنعها من العلاج عند طبيبا ذكر .
كذلك أصدر تنظيم جبهة النصرة في المناطق التي يسيطر عليها في ريف ادلب قرارا يفرض اللباس الشرعي على النساء «وهو عباءة سوداء فضفاضة تغطي كامل جسد المرأة «
ليلى تعمل ممرضة في أحد المراكز الصحية في قرية بريف إدلب يقوم شقيقها يوميا بمهمة إيصالها للمستوصف وإرجاعها للمنزل عند انتهاء عملها تقول ليلى» خلقت حالة الحرب في البلاد قيودا جديدة حدت من حركتنا كعنصر نسائي، من أهم هذه القيود هي فقدان الأمان وانتشار حالات الخطف و النزاع اليومي و ما يترتب عليه، أضف إلى ذلك انتشار ثقافة جديدة في المجتمع تحد من حرية حركة المرأة دون محرم، أخي يرافقني في كل تحركاتي خارج المنزل، يقوم بإيصالي إلى العمل وزيارة صديقاتي، وفي ذهابي الى السوق واضطر في بعض الأحيان إلى تأجيل أو إلغاء تحركاتي خارج المنزل بسبب انشغال أخي «
تصاعد العنف الأسري:
يعتبر العنف الأسري ضد المرأة من أكثر انتهاكات التي تتعرض لها المرأة من الرجل وهو ظاهرة منتشرة في المجتمع السوري و تزداد حدة هذه الظاهرة مع طول فترة الحرب بسبب تدني الحالة الاجتماعية و تفاقم الفقر.
ولان العنف ضد المرأة ليس ظاهرة فردية أو مرضية تتعلق بأفراد محددين بل هو حالة اجتماعية متفشية في المجتمع فليس من السهل التصدي له ومواجهته، كما أن هناك أنواع وأشكال مختلفة للعنف الممارس ضد المرأة ولا يرى من يمارسه بأنه يسلك سلوكاً مرضياً يجب الإقلاع عنه، بل على العكس من ذلك، فإن الثقافة السائدة لا تبرر له ممارسة أشكال معينة من العنف ضد المرأة فحسب، بل، أيضاً، تحضه على الممارسة وتعزز سلوكه اجتماعياً، فكثيرا ما نرى بعضهم يتفاخر بضربه للنساء.
سمية ووفاء متزوجتان من أخوين وتعيشان في منزل واحد، تتعرض كل منهما للضرب المبرح والمؤذي بضعة مرات أسبوعيا من قبل أزواجهما، تقول سمية أنها اعتادت هذا الأمر ولا تجد فيه مشكلة لاستمرار حياتها مع زوجها بينما تحاول وفاء الاستعانة بباقي أفراد عائلتها لتخفيف الضرب التي تتلقاه من زوجها وليس إلغاؤه فالمجتمع هنا لا يجد العنف ضد المرأة بالمشكلة الكبيرة بل ويشجع عليه أحيانا.
زواج الأجانب:
بعد تدفق المهاجرين من كل حدب وصوب باتجاه سوريا وخاصة بعد عدم قدرة معظمهم على العودة لبلادهم، ما جعل من استقرارهم في سوريا أمرا حتميا، شاع بعدها تزويج الفتيات السوريات لهم وغالبا ما يتم الزواج بعد موافقة ولي الأمر من غير الرجوع للفتاة.
مروى تبلغ من العمر 31 عام تزوجت من رجل مصري في الأربعين من عمره جاء الى سوريا كي يقاتل الى جانب الفصائل الإسلامية، وقد أنجبت مروى منه طفلين، ولا يوجد عقد رسمي لزواجها، اقتصر تسجيل الزواج عند شيخ القرية، تقول مروى «لدي طفلين أحدهما عمره عامين و الأخر عام وهما غير مسجلين ولا يوجد لهما أوراق رسمية كما أن والدهما لا يستطيع منحهما الجنسية المصرية بسبب عدم قدرته على الرجوع الى مصر و أنا أيضا لا أستطيع تثبيت زواجي في محكمة رسمية و منحهما أبسط حقوقهما»
المرأة السورية اللاجئة :
تمثل نسبة النساء في مخيمات اللجوء داخل سوريا و خارجها 65% حيث حاولت المرأة السورية الهروب من مناطق القصف و الاشتباكات إلى أماكن أكثر أمنا نسبيا حتى و أن كانت تفتقر إلى مقومات الحياة الكريمة، واعتمدت على المساعدات الممنوحة من المجتمعات المضيفة أو المنظمات الدولية لتلبي احتياجاتها في ظل غياب المعيل.
يقدر عدد النساء اللواتي يُعِلن عوائلهن سورية بمفردهن في كل من تركيا و مصر ولبنان والعراق والأردن بأكثر من (250) ألف نازحة واضطرت النساء لتسلم زمام الأمور بعد أن فقدن الرجال بسبب الموت أو الاعتقال أو تركن أزواجهن في سورية.
التحديات التي تواجهها النساء في بلدان
اللجوء:
ما تواجهه النساء لدى وصولهن إلى بلدان اللجوء صعوبات عدة، ففي حال لم تقم المرأة باللجوء الى المخيمات المعدة للاجئين حيث الظروف الحياتية القاسية من انعدام الخصوصية والحماية من عوامل الطبيعة وتعرض النساء وعائلاتهن لأخطار صحية وجسدية، يأتي التحدي الأول والأكبر خارج هذه المخيمات فإيجاد منزل صالح للسكن وتسديد إيجاره يبقى مصدر القلق الرئيسي وهو من الأسباب الأساسية التي تدفع بالنساء إلى تبديل أماكن السكن باستمرار، إضافة إلى الغذاء الذي يشكّل تحدياً آخر في وقت تضطر كثيرات إلى المفاضلة بين الأولويات التي يجب شراؤها أي بين الدواء والغذاء و مستلزمات النظافة ويقترضن المال من المقربين لهن.
ويزداد العبء المالي في حال وجود أفراد معوقين ضمن العائلة التي تديرها امرأة وغالبا ما تدفع المتاعب المالية للاجئات إلى الزواج المبكر لبناتهن وتواجه معظم اللاجئات صعوبة في تأمين العمل المناسب ذي المردود الذي يؤمن لها عيشا كريما .
تعتبر النساء هن الضحية الأولى لأي حرب و تتزايد معاناتهن بحجم الضرر و الفقدان الذي يتعرضن له و يتحملن المسؤولية و الأعباء الناتجة عنها فهل سنكون أمام مجتمع نصفه محطم ومغيب .
وعلى ما يبدو مازال أمام المرأة السورية معركة طويلة وقاسية مرهونة بمستقبل وحرية بلدها, فالثقافة الجديدة التي ترى من قضية تحرر المرأة من القيود الموروثة, وحالة الفوضى وغياب الأمان, والعنف الأسري و تقييد الحركة, هي من أهم المعوقات التي تثقل كاهل المرأة.
و لأن المرأة هي نصف المجتمع السوري ونواة النصف الأخر يجب العمل بشكل حقيقي لنقلها من صفة الشريك المنتقص, إلى حالة الشراكة الحقيقية لا الرمزية.
داليا معلوف