في تشرين الاول من العام ٢٠١٢ نشرت منظمة جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في سوريا( صورة تظهر احد عناصرها يعدم ميدانيا عددا من جنود النظام السوري الاسرى. تلك كانت لحظة تحول هائلة في الصراع السوري، لحظتها اعادت العديد من مواقع الثورة والجيش الحر والمكاتب الاعلامية نشر الصورة، واثارت الصورة لغطا، واعيد حجبها عن العديد من الصفحات.
قبلها، كان الفصيل الذي قام بذبح طفل او مراهق في حندرات، اي نور الدين الزنكي لا يزال يعمل تحت راية الجيش الحر، وكان في حزيران من العام ٢٠١٢ قد قام باسر العديد من الجنود النظاميين، في منطقة حور اثر اسقاط جزء من الخط الواصل ما بين مدينة حلب ودارة عزة ومحاصرة احد افواج النظام هناك.
في صباح اسقاط الطريق مر صهريج مياه، وحيا من فيه المقاتلين، واخبرهم احد الموجودين في الصهريج بانهم “اتينا لكم بالمياه” وكان يقصد الفوج التابع للنظام، فانزل الرجلين وصودر منهما الصهريج، وتم اعادتهما (وهما كرديان) مباشرة الى حلب في باص نقل عام.
بعد ايام سقط العديد من الجنود اسرى في كمين للتنظيم نفسه، اثر محاولة الجيش اعادة الطريق الى سلطته، وصفى احد المقاتلين مصابا من القوات غير النظامية العاملة مع الجيش فورا، وهو ينازع على ارض المعركة، ما اثار احتجاجات بين قادة المجموعات وانسحب بعضهم من الميدان مع مطالبة بمحاسبة القاتل الذي تبين لاحقا انه منضم حديثا للحركة وكان يعرف عنه بتأييده للنظام.
الا ان عددا من الاسرى تم اطلاق سراحهم خلال الساعات التاليات، خاصة رجل مسيحي تبين انه متعاقد وسائق جرافة ضمن قوة الجيش وليس مقاتلا، واخرين.
بين حركة نور الدين الزنكي يومها والتاريخ الحالي تقلبات شتى، عصفت بسوريا وبشمالها وبالحركة، وبالمقاتلين في الشمال وبالصراع وجوهره حتى كاد المرء ينسى اصل الاسباب ويسير خبط عشواء في سياق ركب عام غايته قطع الرؤوس ورفعها عاليا.
لا يوجد في الدنيا كلها ما يسمح باساءة معاملة الاسرى، لا في القوانين المحلية ولا الدولية، والاساءة لاسرى الحرب وقتلهم او عدم علاجهم يعتبر من جرائم الحروب، ان احدى اللطخات السوداء على جبين حزب الله هي قتله بالرصاص لمجموعة من اسرى الحرب. كما ان التنكيل الممنهج الذي مارسه النظام على الموقوفين والمعتقلين وحتى المواطنين الذين رماهم سوء حظهم بين ايدي جنود وميليشيات النظام هو مقصود لاستثارة ردود فعل مشابهة، اضافة الى كونه ينبع من عقيدة فاشية لا تقيم وزنا لحياة الفرد.
الحماس العام للدفاع او ايجاد تبريرات لقتل المراهق وذبحه على ايدي مقاتلي الزنكي، هو في الحقيقة ينقل كل الوضع السوري الى مكان اخر تماما، سواء اعلم من يدافع ما الذي يقترفه ام لم يعلم، انه ينقل الثورة من انتفاضة على نظام، الى تكريس نزاع اهلي على السلطة، تختصره فئات محددة، وكل فئة ستكون عنصرا يستبيح الاخر، ما يجعل القابعين في مناطق النظام محقين تماما في خوفهم من ذاك القادم نحوهم باسم الحرية ويحمل سكينا للقتل.
ولا كبير فرق ما بين ان كان عمر المراهق ١٢ او ١٩ عاما، او اكان من احدى مخيمات اللجوء الفلسطيني ام من سوريا، ويستوى الامر اكان من عشرات الاف السنة الذين يقاتلون الى جانب النظام، ام من الطائفة العلوية، فالمراهق ظهر دون سلاح، وهو جريح، وقد اصبح بالتالي من مسوؤلية الجهة التي اعتقلته، وما يقوم به مقاتلو هذه الجهة يحملها بقيادتها مسؤولية حياته.
ما يعانيه المدنيون في المناطق المحررة من قصف وقتل وتهجير لا يمكن ان تحاول الثورة اذاقته للمدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام والروس والايرانيين، فهذه المعادلة تعني تلقائيا ان العدو هو كل اولئك، وهي خسارة لاخر ما قد تملكه الثورة من احتمالات انتصار او تكريس تفوقها السياسي (قبل الاخلاقي) على القوات المعادية، التي مارست العقوبات الجماعية على السكان لانتفاضهم على النظام.
خسارة اخرى ستكون امام المقاتلين، وهي في الجانب التكتيكي القتالي، سيكون حماس جنود النظام والمليشيات المؤيدة للقتال اعلى، وسيكون طلبهم للثأر اقوى، وسيكون من الصعب ان يرمي احد منهم السلاح للاستسلام، على عكس ما كان يجري في بدايات الثورة، حين كان اول ما يفكر به الجنود هو القاء السلاح والركض هربا مع اول رشقة رصاص تطالهم، ومعرفتهم المسبقة بان بامكانهم النجاة بارواحهم بحال قرروا عدم القتال.
ترك مقاتلي العدو ينسحبون، ومعاملتهم كأبطال بحال انشقوا، وكبشر بحال استسلموا سمح بتحرير اغلب الاراضي السورية على ايدي الجيش الحر، قبل ان تقرر المجموعات الاسلامية ان تعدم المنشق، والاسير، والجريح، وتطارد الفار حتى تقطع رأسه، وتذبح كل من يختلف معها بوجهات النظر، حتى مقاتلي الجيش الحر. حينها بدأت شراسة مقاتلي النظام ترتفع، والصراعات داخل جسم مقاتلي الثورة تزيد، وبدأنا نتحدث عن خسائر متواترة، وبدأ اعلام الثورة يغرق في الاكاذيب، واصبح الاعلام الصادق هو مشاهد اعدام الناشطين المدنيين التي تطلقها وكالة اعماق وغيرها.
ان ممارسة قطع العنق، سواء للاسير، ام لاي متهم اخر، هي ممارسة كرستها جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الاسلامية، وكل انزلاق في هذا الاتجاه سيمحي الفوارق مع الوقت بين المناهج، وبعد مراحل من الصراع سيكون من الصعب التمييز بين الزنكي وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الا بمستوى التنظيم والدعم وادارة الموارد، وطبعا الرابح سيكون كما يقول الواقع الحالي هو تنظيم الدولة اولا، وجبهة النصرة تاليا.
يفتح الذبح الاعين على عدة امور، فاولا من هم هؤلاء المقاتلين في الميدان؟ ما هي ثقافتهم القتالية وتعبئتهم السياسية؟ لماذا يقاتلون وكيف يعيشون؟ وكيف يمكن التأكيد بان الخطأ فرديا بينما يمكننا ان نورد مئات الامثلة المشابهة؟ وطالما ان الهيئات الشرعية التي نصبتها الفصائل كهيئات قضائية هشة وضعيفة ومؤدلجة بالكامل ولا تعترف بالقوانين ولا بحق المتهم بالدفاع عن نفسه، وتجيز التعذيب في اقبية سجون الفصائل لانتزاع الاعترافات، فكيف يمكن لهذه الهيئات ان تحاسب من قام باختصار الطريق على الاسير وقطع رأسه ميدانيا وهو ما سيكون مصيره المحتوم ولكن بعد طول تعذيب؟
ان الهيئات القضائية في الشمال السوري عامة هي هيئات لا تتمتع باية استقلالية، وهي مكلفة من الفصائل، ويعين كل فصيل بعض رجال الدين الذين يتبعونه بالكامل، او يعين الفصيل العسكري كل رجال الدين في الهيئة الشرعية، واغلب هؤلاء لا يملكون العلوم القانوينة، كما ان تعليمهم الديني متواضع ان لم يكن سطحيا وبائسا. والعديد منهم تتلمذ على ايدي مقاتلين اجانب من تنظيم القاعدة اتوا الى سوريا في مرحلة الفوضى الشاملة، دون ان يعرف متى واين وكيف حصل هؤلاء المقاتلون الاجانب على علومهم، والى اي فتاوي يلجأون حين الحاجة؟
بينما تضم صفوف القوى المسلحة مراهقين وشبان لم يعرفوا من الفكر الديني والسياسي اي شيء، ما عدا ما كرسه تنظيم القاعدة في سوريا في فقه الجهاد ومنقضات الاسلام، اي فتاوى التكفير، واستسهال اراقة الدماء واقامة الحدود دون العودة الى المحاكم. اضف الى ان جزء كبير من هؤلاء الفتية والمقاتلين لجأ الى الفصائل المسلحة لحاجته الى العمل والاسترزاق، وضمته الفصائل لحاجتها الى تجديد المقاتلين بدل اولئك الذين قتلوا او تركوا البلاد من بداية الثورة الى اليوم.
في لحظات الغل والانتقام والعطش الى التشفي واراقة دماء العدو، يعمى بصيرة المقاتل، كما يمكن ان يشعر الموجود خارج البلاد بالتشفي لمن يقتل من اهله وهو بعيد، او ببساطة ان الانتقام بقطع رأس مراهق مقاتل يمكن ان يعوض غيابه هو عن ساحات القتال ويغطي هروبه من وطنه، ولكن في الحقيقة فان جرائم الحرب هي ما يطلبه النظام وحلفائه من روسيا وايران وغيرهما، ببساطة فان صورة مقاتل من الزنكي يرفع رأس ضحية هو ما يمكن ان يدخل سوريا مرحلة اخرى، حيث لا تنفع المفاوضات ولا التعاطف مع الضحايا ولا اعلام.
العالم يقف اساسا ساكنا متفرجا على مأساة السوريين، وموتهم في بلادهم وغرقهم وهم يحاولون الهجرة، الان سيصدق العالم انه من حسن الحظ لم يتم مد يد العون الى هؤلاء، فهم ليسوا ضحايا بل ببساطة مجرمون.
المصدر – حدثنا غودو