قد يبدو في هذا العنوان – إ ذا ما عمّم – شيئاً من العنصريّة، ولكن هنا لا تعميم بل
سرداً لوقائع تقول ذلك، لن ننصّب أنفسنا حكّاماً على التاريخ فمع احترام المخاوف التي دعت والد الطاغية الأب سليمان الأسد ليكون أحد الموقّعين على الوثيقة المحفوظة لدى وزارة الخارجيّة الفرنسيّة كما قال الوزير( فابيوس) وكذلك لدى الحزب الاشتراكيّ الفرنسيّ والتي تتمنى من فرنسا بصفتها دولة انتداب حينها بعدم إنهاء انتدابها وسحب قوّاتها، والحجّة هو الظلم والاضطهاد الذي ستعانيه الأقليّات على يد الطائفة السنيّة باعتبارها طائفة الأكثريّة، ولكنّ الحياة السياسيّة التي نشأت في سورية بعد الانتداب كانت كفيلة بأن تبدّد هذه المخاوف، إلى أن انقضّ الطاغية “حافظ” على السلطة بعد قرار انسحاب القوّات السوريّة كيفيّاً من محافظة القنيطرة والذي صدر عنه قبل احتلالها بصفته وزيراً للدفاع حينها، وما يروّج من بيعه للجولان مقابل استيلائه على السلطة في سورية، فإنّ ما فعله الطاغية الأبّ خلال سنين حكمه لسورية والذي تمثّل بتدمير البلد على كافّة المستويات وخلق حالة طائفيّة وخاصة في المؤسّسة العسكريّة والانحراف بها من بُعدها الوطنيّ إلى البعد العقائديّ، لتصبح غايتها الأولى حماية مصالح السلطة وتكريس استبدادها، وهذا نفسه ينسحب على الأجهزة الأمنيّة والتي استحكمت بكلّ مؤسّسات الدولة معتمدة على قيادات طائفيّة في مفاصلها الأهمّ، ممّا أوجد المبرّر حينها لظهور بعض الجماعات العنفيّة والتي لم يكن نهجها يخلو من الطائفيّة باعتبارها ردّاًعلى ماهو طائفيّ، فكانت مجزرة حماة عام 1982 التي راح ضحيّتها عشرات الآلاف من السوريّين، والتي أشرف عليها رفعت الأسد الشقيق الأصغر للطاغية، وبعدها وجد الطاغية الأبّ المبرّر ليقمع وبوحشيّة كلّ صوت معارض – إن كان من اليمين أو اليسار – إمّا بتهجيرهم أو سجنهم، وحتّى بالتصفية الجسديّة وعمد إلى إعادة صياغة الحالة السياسيّة في سورية بإيهام الأقليّات الأثنيّة والطائفيّة أنّ مصيرها مرتبط بنظام حكمه هو وعائلته.
ومنذ الأيّام الأولى لاندلاع الثورة السوريّة في 15/3/2011، أصرّ الطاغية الوريث على النفخ في مزمار العائلة وترديد نغمة حماية الأقليّات وأنّه يقاتل عصابات إرهابيّة متطرّفة ونتيجة للعنف المفرط الذي لجأ اليه النظام، كان تسليح الثورة ممرّاً إجباريّاً، وبعد أن خرجت المساحة الأكبر من البلاد عن سيطرته وغدت سلطته قاب قوسين أو أدنى من السقوط باعتراف المسؤولين في “حزب الله”حليفه الطائفيّ تحت عباءة الممانعة والمقاومة والذي سارع إلى إنقاذه بتدخل عسكريّ سافر، والحجّة هنا حماية (الأضرحة) وطبعاً لم يكن يحدث هذا إلّا بموافقة ودعم من دولة وليّ الفقيه في إيران، والتي بدأت بدعم السلطة منذ الأيّام الأولى بكافّة أنواع الأسلحة عبر جسر جويّ مفتوح.
ليتمّ بعدها تصنيع “داعش” في دوائر الاستخبارات الإيرانيّة والسوريّة وتقديمها كمنظّمة إسلاميّة سنيّة إرهابيّة متطرّفة والتي لم تنفّذ أيّ عمليّة إلى الآن ضدّ أيّ من المصالح الإيرانيّة، وأغلب ما قامت به في سورية من أعمال كانت معارك ضدّ الجيش الحرّ والنشطاء الإعلاميّين، وليصدّر نفسه هذه المرّة أنّه وإيران وحزب الله يحاربون الإرهاب ويطالبون أن يكون لهم دوراً في التحالف الدوليّ المشكوك فيه أصلاً لمحاربة الإرهاب.
وقد ظلّت الإدارة الأمريكيّة متجاهلة لهذه الحقيقة إلى أن اعترفت أخيراً بهذه الحقيقة في المؤتمر الذي عقد قبل أيّام قليلة للحرب على الإرهاب، حيث صرّح الرئيس الأمريكيّ أوباما”أنّ من يصنع الإرهاب في الشرق الأوسط هما: الرئيس العراقيّ الأسبق نوري المالكيّ والرئيس السوريّ “
وهكذا أصبحت سورية ساحة لمعارك إقليميّة يتصارع فيها إسلامان “سنيّ وشيعي” كما خطّطت إيران ونفّذ الوريث وفتح البلد لكلّ العصابات الطائفيّة العراقيّة واليمنيّة وحتّى الأفغانيّة تحت مسمّيات مختلفة من أجل مصالحه وبقائه في السلطة.
في هذا الوضع وجدت حكومة الملالي في إيران فرصتها التي كانت تحضّر لها منذ أن بدأت بإنشاء حسينيّاتها في دمشق ومناطق أخرى أيّام الطاغية الأب، وبدأ التغلغل الإيرانيّ يأخذ شكلاً أكثر وقاحة حتّى تجلّى ذلك في خطوة لها رمزيّتها وهي ظهور قاسم سليمانيّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ يقود المعارك بنفسه في المنطقة الجنوبيّة، لتصبح سورية بلداً يرزح تحت نير احتلال خارجيّ، ويكون الحفيد قد نفّذ الوصية وسلّم البلد لمحتل لكنّه ليس فرنسيّاً أوحتّى أوربيّاً، بل هو احتلال فارسيّ بعباءة إسلام شيعيّ متخلّف، تحكمه العمائم والملالي، وهنا ينطبق المثل الشعبيّ القائل: (من شابه أباه ما ظلم) بل ويزيد ليصبح (من شابه أباه وجدّه ما ظلم)، وهكذا تكون العائلة القذرة قد دمّرت سورية بكلّ المعاني، وحين غدت على ثقة من أنّها لن تستطيع أن تحكمها مستقبلاً باعتها لدولة وليّ الفقيه والسؤال:
هل جاء سليمانيّ وما يمثله من احتلال إيرانيّ لحماية الأقليات التي زعم الوريث أنّه يعمل على حمايتها؟
وهل حال الأقليّات في دولة الملالي التي يمثّلها قاسم سليمانيّ على ما يرام؟.
أسعد شلاش