في ظلّ الأحداث الراهنة التي تعيشها سورية من دمار على جميع الأصعدة يكون للأطفال النصيب
الأكبر من هذا الدمار، فالطفل السوريّ لم يعد ذاك الطفل الذي يحمل الأقلام أو الدفاتر أو حقيبة مدرسته، فَقدَ كلّ ما يمتّ للطفولة، محروم من التعلّم ومن اللعب ومن أن يعيش طفولته كما يجب أن تكون، وجد نفسه يحمل مسؤوليةً لا يحتملها الرجال.
تعرّض الأطفال في سورية للقتل والاعتقال والتشرّد ولكلّ أنواع الاضطهاد ولم تشفع لهم براءتهم، فكانوا ضحية هذا العنف، يقول أبو أحمد نازح من حيّ الصاخور بحلب: “طفلي يوسف أصبح الآن مريضاً بعد أن سقطت على رأسه قطعة بلوك وسببت له مرضاً في دماغه فهو يسقط بين الفينة والأخرى ويغمى عليه، لا نستطيع إرساله إلى أيّ مكان لأنّنا نخاف من أن تأتيه الحالة في الشارع، وكم أتألم عندما أنظر في عينيه وهو ينظر للأطفال وهم يلعبون”.
هذه الظروف انعكست على الأطفال في كلّ تفاصيل حياتهم، فنجد أنّ اللعب أصبح عنيفاً لا يتناسب مع أعمارهم، فمجمل ألعابهم باتت تتمحور حول القتل والقصف والتشرّد واللجوء، ولم تعد الألعاب الأخرى تعني لهم شيئاً، تقول المربّية أماني من جسر الشغور في إدلب: “الأطفال في الروضة يلعبون لعبة الجيش الحرّ والشبيحة، ويمثلون الاقتحامات، ويحفظون أسماء كل أنواع الأسلحة، وحتّى أغانيهم لم تعد تلك الأغاني الطفوليّة التي تمثّل البراءة فأصبح جلّ كلماتها مأخوذ من مفردات الحرب والقتل والدمار، فالطفل مرآة للخلل الذي أصاب المجتمع”.
وهنا لا بدّ من الملاحظة بأنّ شعور الطفل بعدم الاستقرار وعيشه بدون وطن أثّر بشكل أو بآخر على نفسيّة الطفل السوريّ، فالنزوح المستمرّ من مكان لآخر بالإضافة إلى تحمّله أعباءً لم يكن يعرفها من قبل، كأن يشعر بنفسه المسؤول عن تأمين لقمة العيش هذه الأمور مجتمعةً جعلت منه طفلاً يعاني من الضياع، تقول أم وائل وهي نازحة من حمص: “كانت رحلة نزوحنا طويلة، فمن حمص إلى ريفها ومن ثمّ إلى حلب حيث أبدلنا أكثر من حيّ قبل مجيئنا إلى تركيّا وهذا كان له الأثر الأكبر بعدم تعلّق أطفالي بالمكان أو ارتباطهم بشيء، حتّى أنّ الصغيرة منهم لم تعد تذكر أننا من حمص. فلا يعرف أطفالي معنى الارتباط والتعلق بشيء فنسوا أن بيتنا في حمص، وهنا نرى أنّ معظم الأطفال السوريّين لم يعد لديهم هذا التعلّق بالوطن بل على العكس نرى البعض منهم لا يريد أن يتذكّر هذا الوطن الذي لم يسمع به إلّا صوت الطائرات والمدافع.
ولا تتوقف مأساة الطفل السوريّ عند المكان والشعور بالاستقرار الذي سُلب منه فقط بل نجد أنّه حُرم من البهجة والفرح، فتدهور الحالة الاقتصادية لدى الكثير من العائلات حمّلت الأطفال عبئاً من نوع آخر وانخرط الطفل في سوق العمالة، أم مصعب نازحة من مساكن هنانو بحلب أمّ لخمسة أطفال تقول: “بعد اعتقال زوجي وفقدان منزلنا اضطررنا للنزوح إلى تركيا وهنا بدأت المعاناة والبحث عن عمل أرسلت مصعب إلى ورشة الخياطة وعملت بأعمال مختلفة لتأمين لقمة العيش، أشعر بالغصّة عندما يأتي العيد وأنا لست قادرةً على أن أجلب لهم الحلوى أو الثياب الجديدة، لقد أصبح العيد سبباً للحزن والحسرة”.
ونجد الكثير من الأطفال قد تعلموا اللغة التركيّة ليصبح أحدهم مترجماً عند الباعة أو المحلّات التجاريّة، جمال طفل في 12 من عمره يعمل في أحد المحلّات التجارية لبيع الأقمشة، يقول جمال: “أساعد صاحب المحلّ في تنظيفه وترتيبه وأعمل مترجماً عندما يأتي زبوناً سوريّاً لشراء الأقمشة وأتقاضى مبلغاً من المال يساعد أهلي في معيشتهم” جمال كغيره من الأطفال الذين تركوا المدرسة واللعب ونسوا طفولتهم، بل ويعتبر نفسه محظوظاً لأنّه وجد عملاً، هذا إذا ما تمّ مقارنته مع الطفل الذي وجد نفسه متسوّلاً، فنجد الكثير من العائلات دفعت بأبنائها إلى التسوّل بسبب الحاجة والعوز، فامتهن أطفالهم التسوّل حرفةً وباتوا في الطرقات والأسواق.
ولهذه الظاهرة مخاطر سيئة على الطفل فهي قد تدفعه إلى الضياع، إنّ احتراف الطفل للتسول جريمة لا يمكن حصر خطورتها، فكل ما خزّنه الطفل من مشاهد في سنين عمره الأولى هو منظار سيرى العالم من خلاله في المستقبل، لذلك علينا معالجة هذه المشاكل وإيجاد الحلول البديلة لنضمن مستقبل أطفالنا الذين سيرمى على عاتقهم بناء سورية الجديدة.
فلك الخالد