زيتون – طارق نعمان
قد يبدو مصطلح “ممانعة الممانعة” طريفا بعض الشيء، ويحمل بعض التهكم، أو اللاواقعية، لكنه _وفي صلب ما نعيشه منذ خمس سنوات_ يرابط على أفواه و أيدي العاملين في الشأن الثوري والثوار أنفسهم عدا عن الناشطين والإعلاميين والمثقفين وما إلى هنالك من كوادر ادعت أو تدعي أو تعمل بصدق للتخلص من نظام فاسد زرع خلال أربعين عاماً فكراً ثورياً منحرفاً نحو عدو وهمي تعمد تضخيم خطره وخطر نفوذه ليستعبد إرادة الشعوب ويمارس تهكمه وسرقاته وستر جرائمه، وهذا ما كنا وما زلنا نسميه الممانعة، وهي الوقوف في وجه مشاريع العدو “الإسرائيلي” وشركائه، فتضمنت كلمة الممانعة مقاطعة منتجاته ومقاطعة سفاراته والعمل الدؤوب على محاربته وتهديده وما إلى هنالك من ممارسات تبقي على اسم “إسرائيل” مجاوراً ومترافقاً مع صفة العدو، ولكن وعلى أرض الواقع كان الممانعون يسعون لوضع أولويات العلاقات مع العدو تحت الطاولة حيث لايمكن للعامة من الشعب التطرق لها لعدم إدراكهم لوجودها.
منابع قد تكون نتيجة ممارسات حزبية على مدى عقود لضرب الوعي ودفعه لمنطقة الغفلة عدا عن توجيه الأولويات الاجتماعية لما هو أدنى بالتقطير المعيشي والسيطرة على موارد الشعوب والضرب بيد من حديد على أي بادرة للتنوير بتهمة التعامل مع العدو وخدمة الأجندات الخارجية، وهذا أنتج أجيالاً من السوريين الحاملين لجينات الخوف من العدو مهما كان والخضوع لمن يحاربه طالما أن من يحاربه يحمل فكر الاستعداء له.
وحين يتحول الممانع إلى عدو تصبح محاربته واجبةً عند الجماهير تبعاً لما تربت عليه من إقصاء العدو مهما كان.
دفقات التنوير والأرضية المهيأة أصلاً للانقلاب الاجتماعي سمحت للثورة بالوقوف والانفجار ضد العدو الممانع ليقودها ممانع من نوع آخر، ممانع يحمل جميع صفات ممانعة الأسد لإسرائيل، إلا أنه يمانع الأسد نفسه، فيوقف التطبيع معه ويحاربه نفسياً وعقائدياً وسياسياً وعسكرياً، ويحض الشعوب على محاربته ويسعى للإطاحة به تماما كما كان الأسد ضد الإسرائيليين، وهذا ما يسمى ممانعة الممانع او ممانعة الممانعة وهي تسمح لممارسيها من السياسيين بالقيام بأي عمل ومهره بعلامة ثورة ضد الأسد.
فالسياسي الممانع للأسد يسمح لنفسه باتخاذ القرارات وإخفاء الحقائق، بالتصرف بالمال العام وممارسة الفوقية النضالية والاجتماعية وإقصاء من يعارضه أو ينتقده، ومحاربته عدا عن اتهامه بالعمالة للأسد، بالتفرد بالقرار والتفرد بالتفاوض والتفرد بمن سيجمع حوله من بطانة كونه وحسب قوله “مستهدف وعرضة للاغتيال في أي لحظة” وهذا يوحي للعامة بأن اغتيال هذا الشخص يعني انحلال واضمحلال المشروع الثوري، وكأنه متعلق به وحده وهنا تبرز صفة الديكتاتورية الثورية لتتم الصفة ما قبل الأخيرة في تعريف الممانعة.
أما الصفة الأخيرة في نظام الممانعة فهي التواطؤ مع العدو الممانَع فالبعث والأسد وتسخير الموارد لخدمة المصالح المشتركة في سبيل البقاء على رأس السلطة أو رأس الأمر مهما كان فممانعة الثوريين وخاصة السياسيين والمدنيين لنظام الأسد، يمكن أن تدخل ضمن الشبهات الأسدية في التعامل مع العدو بشكل أو بأخر أو التواصل معه، بعد النكوص الذي منيت به السياسة الثورية التي اعتمدت بشكل كامل على الشركاء الممانعين أو بالأحرى الذين ابدوا ممانعتهم لنظام الأسد لنكتشف بعدها مدى عمق التعامل والأقنية الخلفية سواء الاستخباراتية، أو العسكرية وحتى السياسية المفتوحة.
ممانعو الأسد “الممانع” اليوم يمارسون نفس الديكتاتورية بحجة ممانعتهم، لكن الفرق بينهم وبين الأسد أن الأخير كان يجلس في حضن من يمانعهم ويتلقى دعمهم المطلق ونجح في التمويه، أما ممانعو الثورة فغير قادرون أصلاً على إيجاد الحضن، وأضاعوا الدعم والشهداء. وكأي ديكتاتور عند الخسارة سيرمي اللوم على الشعوب ويردد” من اجتهد فاخطأ فله أجر”