تمّ الحديث مؤخّراً نقلاًعن مصادر سعودية وتركية إن الدولتين قد بلورتا اتفاقًا لتدخُّل عسكريّ ضدّ نظام بشار
الأسد في سورية خلال الأشهر القادمةوقد يكون ليس بالبعيد عن هذا الاتفاق قيام السلطات التركية بإغلاق تامّ للمعابر على الحدود السوريّة وسط تكهّنات من قبل النشطاء السوريّين حول الإغلاق وتكتّم السلطات التركية بشأنه،واللافت للنظر هو حجم الاستعدادات التي تقوم بها قوّات المعارضة على جبهة إدلب كجبهة النصرة وحركة أحراروصقور (الشام الإسلاميتين) والاستعدادات التي يقوم بها النظام بزيادة تحصيناته على الجبهة واستجلاب مقاتلين من حزب الله وبعض المليشيات الشيعيّة،إضافة إلى قطع الطريق من وإلى إدلب وسط حالة من الاستنفار لقوّاته، ومن غير المستغرب استخدام الموادّ السامة من قبل النظام فقد سبق وأن استخدمها أكثر من مرّة.
لكنّ توقيت هذه الضربة ومكانها -سرمين- يشير إلى رسالة واضحة من قبل النظام إلى كلّ من تركيا والسعوديّة مفادها بأنّه لن يسمح بخسارة إدلب، وأنّه قادر على استخدام الأسلحة الكيماويّة عند الحاجة ولا سيّما في زمن المساومة الأمريكيّة الرخيصة لإيران بشأن ملفّها النوويّ على حساب الدم السوريّ، والتي تجلّت بشكل وقح بإطلاق يدها في أغلب دول المنطقة مقابل إيقاف برنامجها النوويّ.
وبناء عليه تتجاهل الإدارة الأمريكية التدخل الإيرانيّ الشره والمباشر،إن كان في اليمن، أو في سورية والعراق وتحاول تركيا حلّ مشكلاتها بما يتعلّق باللاجئين السورييّن أو بالملفّ الكرديّ بمنطقة عازلة تضمن فيها مصالحها مع دور سعوديّ راغب في توجيه ضربة لإيران ردّاً على توسّعها في المنطقة،ليجد النظام السوريّ أنّ الفرصة مواتية لتوجيه ضربة للجميع بهجوم بالموادّ السامة على جبهة إدلب ضارباً بعرض الحائط طموحات البلدين وغير مكترث بدماء السوريّين تحت غطاء إيراني أمريكيّ.
لم يستشهد الأطفال الثلاثة مع عائلتهم بسبب القصف بالموادّ السامة، بل لأن السياسة الأمريكية ارتأت أنّ الملفّ النوويّ الإيرانيّ أهمّ من دماء هؤلاء الأطفال، وأن إيقاف النوويّ الإيرانيّ أهمّ من إصابة العشرات بتلك السموم.
وبالمقابل فإنّ أغلب الذين يشنون المعارك على الأرض يتبنون مصالح أخرى غير مصالح الشعب السوريّ فليس من الأولويّات بكلّ المعاني تكتيكيّاً واستراتيجيّاً للثورة في الشمال تحرير إدلب المدينة لما سيجرّ ذلك عليهم من ويلات سواء كانت المحاولة ناجحة أم كانت كسابقاتها، إنّ حماية حياة الناس في المناطق المحرّرة تقع على عاتق قوّات المعارضة واختيار معارك خاسرة بتوقيت خاطئ هو مسؤوليتهم،وهنا يرى السوريّ في الشمال المحرّر أنّ معركة إدلب لا تصبّ في صالحه لسببين:
أوّلاً:أنها ستجرّ ويلات كبيرة على أهالي إدلب المدينة والذين أصبحوا يقدّرون بمئات الآلاف من المدنيّين الذين هربوا من الموت،إذ أنّه في أفضل الأحوال لن يكون مصير مدينتهم مختلفاً عن حلب أو حمص أو باقي المدن المحرّرة في ظلّ غياب القدرة على منع طيران النظام من تدميرها، وتوفّرالأسلحة المضادّة للطيران يجب أن يكون شرطاً أساسيّاً لتحرير أيّة مدينة فلا يمكنك أن تحرّر ما لا تستطيع حمايته.
ثانياً: إنّ القيام بمعارك تخدم مصالح أخرى غير مصالح السوريّين في توقيت خاطئ وبقراءة مغلوطة هو استمرار لنهج المعارك الخاسرة التي مارستها قوى المعارضة منذ بدء الثورة، وهي في نهاية الأمر تصبّ في مصلحة عمر النظام وتطيل عذاب السوريّين وآلامهم.
لن يتخلّى النظام ولا إيران عن إدلب المدينة ويعلم كلّ منهما أن خسارةإدلب تعني خطوة كبيرة باتجاه المنطقة العازلة ولن يتوانوا عن استخدام أيّ شيء مقابل إفشالها.
ألّا يحقّ للسوريّ في المناطق المحرّرة أن يحدّد أولويّات معاركه التي يدفع ثمنها من دم أبنائه وأن لا يزاودأحد عليه بحجة التحرير، وله كلّ الحقّ في أن يرفض أيّة معارك لايراها مناسبة لقضيّته مهما كان فضل الدول الراغبة في هذه المعارك عليه، فالقضيّة قضيته وهو أدرى بمصالحه،أم أنّ المواطن في المناطق المحرّرة لم يعد يجرؤ على القول: دعونا من معارككم الخاسرة واتركوا أبناءنا لمعارك أكثر حاجة، ولا تقتلوننا بسيوف تحريركم كما يقتلنا المجرم بسيف تحريره،أليس من حقّ السوري أن يبدي رأيه في فتح جبهة إدلب؟ أوليس هنالك في الريف الإدلبي ما هو أجدر بالتحرير من إدلب المدينة، معمل القرميد، المسطومة و… أليس بتحريرها تتحرّر إدلب المدينة بالحدّ الأدنى من الخسائر؟.