زيتون – وضحة عثمان
كان يوم تحرير مطار أبو الظهور اليوم الأكثر حزناً وألماً في حياة أم عبد الله والذي يفترض أن يكون يوم فرح
للجميع.
أم عبد الله والتي كان يصفها جميع أهل بلدتها بالطيبة والمحبة، لم تكن تعلم أنها سوف تكون مدعاة للسباب والشتائم من قبل جميع الأهالي الذين كانوا سباقين في تحرير مدينتهم من سلطة النظام بشكل مبكر.
فمنذ سنين جاء ابنها عبد الله بعد ستة أشهر من بدء الثورة بإجازة من خدمته العسكرية، فمنعته من العودة الى صفوف الجيش قائلة له: «ألا ترى مايحدث في درعا، وكيف يقتلون الناس هناك، إنهم أهلنا يا ولدي لن أسمح لك أن تعود إلى هذا النظام المجرم».
وافق عبد الله على البقاء، وماهي إلا أيام حتى اقتحم الجيش البلدة، دخلت أم عبد الله والرعب يسكن قلبها، «يجب عليك الهروب حتى لا يراك هؤلاء الانذال »، لكنه لم يقبل الهرب قائلاً لها: «لا تخافي سأقول أني في إجازة »، صدقت الأم الطيبة كلام ولدها، وقام الجيش بتفتيش جميع المنازل ومن بينها بيت أم عبد الله، رحب عبدالله بهم، وقال لهم أنه في إجازة وأنه لم يستطع العودة الى قطعته خوفاً من الطريق وأنه يرغب بالذهاب معهم.كانت أمه تنظر له باستغراب، وحين اختلت به قال لها أنه سوف يعود حتى يقنع رفاقه أن يتركوا هذا الجيش المجرم ويشرح لهم حقيقة ما يحدث.بعد شهر أتصل بها وأخبرها أنه مع الثوار في مدينة دمشق وأنه سوف يضحي بروحه من أجل شرف وطنه، بكت فرحاً وفخراً بقراره الشجاع وأخبرته أن بيتهم وبيوت جيرانهم قد أصبحوا خراباً بسبب البراميل وأن شقيقته قد استشهدت بذلك القصف، وراحت تتباهى أمام جيرانها ومعارفها بما قام به أبنها، مرجعةً إليه كل انتصارات الثوار في دمشق، وكيف أنه آثر البقاء في المعارك على المجيء لرؤيتها.
بتاريخ 10 / 9/ 2015 قامت قوات المعارضة باقتحام مطار أبو الظهور في ريف ادلب الشرقي والذي يعتبر من أكبر المطارات في المنطقة الشمالية، وثاني أكبر مطار في سوريا، والمسؤول عن سفك دماء الشهداء والأبرياء، ليصل الى أم عبد الله الخبرالذي صعقها، فعند اقتحام الثوار للمطار تبين أن ولدها كان يخدم في المطار لدى جيش النظام ووقع أسيراً بين من وقع من الجنود في المطار وأن كل كلامه لها عن انضمامه الى الثوار في دمشق كان كذباً، طلبت من الثوار أن تراه، وبعد إلحاح شديد وافقوا على طلبها، وحين وقفت أمامه قالت له: «لقد تمنيت لو أنني مت ألف مرة ولم أرك بهذا
الموقف، ماذا سأقول لجيراني الذين انهدمت بيوتهم واستشهد أبنائهم؟ يجب أن تموت ثأراً لدماءالشرفاء والأطفال والنساء، وثأراً لأختك».
مرت بضع ليالٍ لم تنم، كانت تفكر لم فعل هذا ولم كذب عليها، هل كان مجبراً ولم يستطع الهروب، هل يمكن أن يكون قد حاول الفرار ولم يستطع، تتذكر أنه وافق على عدم رجوعه الى الجيش أثناء إجازته الأخيرة، وأنه ما كان ليعود لو لم يقتحم الجيش بلدته ويفتش بيوتها، ما بين ندمهاعلى كلماتها له وحزنها على وجع الناس لم تتحمل همس الناس عنها ونظراتهم إليها فانطوت على نفسها معتكفة في بيتها لا تكلم أحداً.. ماتت أم عبد الله وحيدةً بعد أيام من اعدام ابنها.