تنتشر في المناطق المحررة ظاهرة أنشاء مصافي النفط “البدائية” التي جاءت كبديل عن مصافي النفط النظامية، ونظرا للحاجة الملحة لها في المناطق المحررة والتي فقدت فيها الخدمات والمنشآت الحيوية بعد خروجها عن سيطرت قوات النظام منذ أربع سنوات، ومنع النظام إرسال المحروقات لتلك المناطق وغلاء أسعارها مقارنة مع أسعار المحروقات في مناطق سيطرة النظام، ونتيجة لهذا الحال تزايدت في المناطق المحررة مصافي النفط البدائية لتكرير النفط لتكون بديلا عن مصافي النظام وسد حاجة المواطنين منها.
آلية عمل مصافي التكرير البدائية:
تتكون مصافي التكرير البدائية من خزان كبير يتم وضع النفط الخام فيه وتعريضه للحرارة المرتفعة وما أن تصل درجة حرارة النفط الخام في الخزان إلى درجة حرارة تحول البنزين إلى مادة غازية، تخرج عن طريق أنبوب متصل بأعلى الخزان لتمر بعدها في حوض للتبريد يحتوي على كمية كبيرة من الماء ما يعيد تكثيف البنزين لسائل من جديد ليتم الحصول عليه من المصرف في نهاية الأنبوب.
ويعاد تكرير هذه العملية بحسب درجات تبخر كل مادة لنحصل في النهاية على مواد البنزين والمازوت والكاز وتكون كميات هذه المواد بحسب حجم الخزان، ليتم بعدها بيعها في الأسواق.
يحصل المكررون على النفط الخام من حقول النفط في المناطق الشرقية الخارجة عن سيطرت النظام وخاصة في دير الزور والحسكة والتي يسيطر عليها تنظيم الدولة ويقوم ببيعها لجميع من يطلب الشراء.
انتشار مصافي التكرير البدائية:
ليست الحاجة للمحروقات فقط سببا لزيادة أعداد مصافي التكرير البدائية إذ يشكل المردود المالي الكبير لهذه المحطات عاملا رئيسيا في رواجها وزيادة أعدادها بشكل كبير، حيث يقدر العائد المالي الناتج بحوالي 140 دولار لكل 5 براميل مقطرة بشكل يدوي، وبإمكان أصغر محطة بدائية تقطير ما لا يقل عن 20 برميل يوميا حيث لا تحتاج هذه العملية البدائية إلى الكثير من الجهد والخبرة.
أبو أحمد وهو صاحب محطة تكرير بدائية قال لجريدة زيتون: ” يأتينا النفط الخام من مناطق سيطرة داعش ويرد يوميا إلى المحطات في منطقتنا فقط قرابة 200 برميل، ثمن البرميل حوالي 50 دولار, تقوم محطتي يوميا بإنتاج مالا يقل عن 2000 لتر من المشتقات النفطية, وهناك موزعين محليين يأتون بشكل يومي الينا ليشتروا منا الناتج من المحروقات, نحن هنا نسد حاجة السوق المحلي من المحروقات, كما أنها مهنة جيدة توفر لأسرتي العيش الكريم”
جميع الأسباب السابقة أدت إلى انتشار محطات التكرير البدائي بشكل كبير، حيث يقدر عددها في المناطق المحررة بحوالي 3500 محطة، يتركز القسم الأكبر منها في المناطق الشرقية من سوريا، ومع هذا الانتشار الواسع لها لا تكاد تخلو منطقة أو قرية من وجود مصفاتين أو أكثر، وأدت هذه الزيادة في أعداد المصافي الى تفشي آثارها السلبية على البيئة والصحة لتضاف إلى معاناة الشعب السوري اليومية.
لا مراعاة لمعايير السلامة والجودة:
أنشئت مصافي التكرير البدائية من مواطنين عاديين ليس لديهم خبرة سابقة في مجال التكرير ولا يراعون خطورة العمل في هذه المصافي، حيث يتعاملون مع مواد مشتعلة ذات حساسية عالية وتقام هذه المصافي في مناطق ذات حركة مرورية ومأهولة بالسكان بينما يفترض ولأسباب أمنية وصحية أن تقام في مناطق معزولة عن المدنيين، لما تسببه من أمراض تنفسية وجلدية وسرطانات وتشوهات الأجنة بسبب الأبخرة المنبعثة من عملية التكرير، بالإضافة لخطر حدوث اشتعال فيها أو انفجارات.
ولا يقتصر الأمر على غياب معايير السلامة فقط، بل تغيب الجودة أيضا، فمواد المازوت والبنزين والكاز الناتجة عن تكرير المصافي البدائية، ذات مواصفات منخفضة فكثيرا ما تسببت مادة المازوت المستخدمة للتدفئة المنزلية بحالات احتراق للمنازل وحروق نتيجة اشتعاله بسبب عدم تكريره بشكل جيد، كما أن مادة البنزين المستخدمة كوقود للسيارات تتسبب بأعطال متكررة لمحرك السيارات بسبب رداءته.
و لوحظ خلال اعداد هذا التحقيق وجود أطفال يعملون في هذه المصافي البدائية ويتعرضون لاستنشاق الأبخرة السامة الناتجة عن عملية التكرير بالإضافة لعدم مراعاة خطورة العمل الذي يقومون به.
ما الحل؟
لا يستطيع من يعيش في المناطق المحررة التخلي عن مصافي التكرير البدائية فهي عصب الحياة وحاجة لا يمكن بدونها القيام بأي عمل، ولكن هل نحن محتاجون الى هذا العدد الكبير من المصافي؟
ألا نستطيع تطبيق معايير السلامة والأمان والجودة على هذه المصافي؟
يبقى الجواب رهنا بالواقع الأمني ومستقبل سوريا المجهول.
داليا معلوف