منذ الأشهر الأولى للثورة, والشعب السوري الثائر يفكر بما يمكن أن يحدث وما احتمالات النجاح والفشل وما الذي يمكن أن تتطور إليه الثورة بعد استخدام الأسد للقوة المفرطة ضد المتظاهرين, وكيف سيكون مستقبل الوطن من الناحية السياسية إذا نجحت الثورة وإذا فشلت؟
لم يكن هناك جواب للتساؤلات بشكل مقنع وسليم, وبكل تأكيد الأغلبية على يقين من أمرين, الأول احتمالات نجاح الثورة أكثر من فشلها, والثاني أن عسكر الثورة العاملين تحت مظلتها سيقولون بأهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ومع تطور الثورة, واستخدام الأسد كافة الأسلحة المحرمة دوليا في عمل مجرد من الأخلاق انتهى به إلى الأخذ بأساليب المافيا في علاقته مع الشعب الثائر وجمع حوله تحالفا عصبويا طائفيا برعاية إيران, فأيقظ أخطر عوامل الانقسام الاجتماعي, أي الطائفية.
وحيال عدوان ( الأسد – إيران ) تعددت القوى الثورية سياسيا وعسكريا, وبدأت تزداد عوامل الانقسام حتى أصبح المشهد (مختلفون في كل شيء, متفقون على إسقاط الأسد) ومن الواضح أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه قادة الحراك الثوري, عدم اهتمامهم بالوسائل القادرة على خلق الانضباط (الثوري العسكري), بقدر تنظيمهم المظاهرات, وعجزهم على ايجاد وسائل تمكنهم من تقويم الانحرافات والطموحات الفردية, وعلى رأس ذلك ضعف مؤسسات الثورة السياسية, والتي افتقرت إلى الوسائل القادرة على تقويم العسكريين مما ولد الشعور عند بعض قادة الفصائل العسكرية أنهم أقوى من الثورة، وقوتهم تخولهم الحق في تجاوز الثورة ليكون للفصائل العسكرية مناطق نفوذ لا يجمعها مع بعضها سوى غرف عمليات مشتركة, وعلى الأغلب لا تضم كافة الفصائل .
في عيد الثورة الرابع, لابد من التأكيد على مخاطبة الرأي العام الدولي وتوضيح جوهر الثورة السورية وحقيقة أهدافها, لا على القبول بالحلول الوسطية أو الدعوة إلى التنازلات المتبادلة مع نظام سمته الإرهاب والخراب والدمار . وتلك مهمة ائتلاف قوى الثورة السورية, حيث أن عمله الدبلوماسي حتى الآن شكل حالة اختبار للقيادات الثورية الذي أوقع غالبيتهم في بيروقراطية مقيتة، وهم في الأساس طفيليات سياسية نبتت في الجسد الثوري, تعارض وتؤيد، بالطريقة التي تخدم مصالحها, في الوقت الذي ينبغي تحقيق توازن مع الجهد العسكري الثوري, ولابد من التأكيد على نقطتين:
الأولى إعادة التأكيد على خط الثورة الاستراتيجي ومواقفها المبدئية ويعني ذلك العمل على اقتلاع الأسد ونظامه من جذوره.
والثانية انتزاع كافة الأوراق من أيدي اللاعبين في الثورة من واشنطن إلى الدول الإقليمية, فالتجارب دلت وتدل على أنّ واشنطن لا تسلم بمطالب الثورة إلا بعد انتزاعها من يدها, وهذا يعني استمرار تصعيد الثورة سياسيا وعسكريا وفق رؤية الشعب الثائر, واهتمام واشنطن بالثورة, يبرز من خلال التناقض الكبير بتجاهلها جرائم الأسد الوحشية، والاكتفاء بإدانتها كالمضغ بلا أسنان, وحرصها على دفع الثورة إلى مواقع تقربها منها, وأهم مظاهر هذا الحرص يعكسه الإًصرار الأميركي على إعداد بعض القوى الثورية (المعتدلة) للحرب ضد الدولة الإسلامية, والسؤال المطروح برسم ائتلاف قوى الثورة, ألا تبدو واشنطن ممعنة في الاستهانة بأولويات مطالب الشعب السوري دون مقابل, أو مقابل دور لا يتناسب وتطلعات الشعب الذي يتعرض لأشرس عدوان ثنائي تشنه إيران وربيبها الأسد؟
ومن الواضح أن همّ الإدارة الأميركية عدم تحريك الوضع القائم بل الإبقاء على الحرب شريطة ألا تتحول إلى أبعد من المنطقة السنيّة الملتهبة في كل من العراق وسورية، ومصلحة الثورة تقتضي تحريك الوضع القائم, خصوصا أن رئيس قوى ائتلاف الثورة خالد الخوجة حصل على رصيد شعبي, رغم أنه الرئيس الأقل قدرة على التنفيذ لكنه الأكثر استقلالية, فإذا بقي الخوجة على سياسة سلفه الجربا, فإنه سيسلم ملف الثورة على حاله الراهن وإذا اختار ما يريد الشعب الثائر فسيكون هناك منعطفات مفصلية لصالح الثورة, وعلى الجميع أن يوفروا للخوجة الظروف الموضوعية للانتقال إلى السياسة الثورية, واقتلاع الطفيليات السياسية التي نبتت في جسد الثورة وإن لم نفعل فسنصل إلى الذكرى السنوية الخامسة كما نحن عليه الآن, أي إلى المجهول مع استمرار المحرقة.
تركي فرحان المصطفى