نادراً ما تسربت معلومات عن معتقلات “العقاب” التابعة لـ”جبهة النصرة”، الفرع السوري لتنظيم “القاعدة”، وعن “العدل” الذي يُطبقه ويدعيه القائمون عليها. و”العقاب” تسمية لمجموعة من المعتقلات والسجون التابعة لـ”جبهة النصرة” في جبل الزاوية في ريف إدلب، على طريق البارة كنصفرة، وعلى طريق البارة كفرنبل، وفي احسم ودير سنبل.
ويبلغ عدد تلك المُعتقلات حوالي 14، كان بعضها في الأصل مداجن هُجرت بعد الثورة وتوقف عملها الأساسي، ومنها ثلاثة هي عبارة عن مُغرٍ جُهزت خلال فترة قصيرة وأصبحت “النصرة” تستخدمها بدلاً عن المداجن، وأشهرها “مغارة القحبة”، كما يُسميها أهل كفرنبل منذ زمن بعيد، وهي تقع في منطقة حرش كفرنبل. وأصبحت هذه المغارة فرع التحقيق والسجن الرئيس لـ”العقاب”. وتعود فكرة تأسيس “العقاب” وتسميته، إلى مهاجر سعودي إلى “النصرة” قضى لاحقاً في إحدى المعارك، و”العقاب” هو استلهام لاسم راية الرسول وتيمناً به.
ولـ”العقاب” أمير كما للسجون مدراء، وأمير العقاب حالياً هو محمد أبو خديجة صوران، من بلدة صوران في ريف حماة الشمالي، وهو أحد أهم المحققين في المعتقل. أبو خديجة صوران شاب لم يبلغ العشرين من العمر بعد. ويحظى هذا المعتقل باهتمام أمير قاطع حماة أبو يوسف الحموي، الذي ضم منطقة جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي إداريا لمحافظة حماة. وأبو يوسف هو محمد قرمز، من بلدة حلفايا في ريف حماة الشمالي، وكان يعمل في بلاط قبل انضمامه لـ”النصرة” ولا يملك أي مؤهل شرعي أو علمي أو عسكري. ويعود اهتمام أبو يوسف الحموي، واتباعه، بجبل الزاوية بشكل عام، وبالسجون فيه بشكل خاص، إلى الفترة ما بين العامين 2011 و2012.
وأوامر الاعتقال الحالية في “العقاب” لأشخاص في مناطق سيطرة المعارضة السورية، تصدر بشكل رئيس من قيادات رفيعة في “جبهة النصرة”، وقد تكون مباشرة من زعيم التنظيم أبو محمد الجولاني، أو من أبو قدامة الأردني، صاحب التأثير الكبير والنفوذ الواسع في مناطق سيطرة “النصرة” في الشمال السوري، وأحد أهم المخططين للقضاء على فصائل الجيش السوري الحر، أواخر العام 2014. كما أن للقيادي أبو عكرمة الأردني، دوراً مهماً في ذلك.
وأغلب المطلوبين للاعتقال في “العقاب” هم ممن يناهضون فكر “القاعدة” ولهم تأثير في مجتمعاتهم المحلية، أو من الثوار الأوائل المنتسبين للجيش السوري الحر. كما يتم تلفيق تهم للأثرياء في تلك المناطق. وأهم التهم هي التخابر مع “التحالف الدولي” والعمل مع جهات أجنبية أو التخابر مع “الدولة الإسلامية”. وجميع المعتقلين في “العقاب” وجهت لهم تهم أمنية لا جنائية.
ورحلة السجن في “العقاب” كما رواها أحد نزلائه، تبدأ باعتقاله من مكان تواجده ونقله معصوب العينيين في رتل مكون من أكثر من 5 سيارات رباعية الدفع مزودة برشاشات، إلى معتقل “العقاب” (مغارة القحبة) في كفرنبل. ويوضع السجين أول أسبوع في منفردة لا تتجاوز مساحتها متراً مربعاً، من دون التعرض له بشيء، باستثناء قول السجان” “اكل” عندما يأتيه بوجبة إفطار مكونة من القليل من العدس المسلوق في الساعة التاسعة صباحاً وقليل من الرز أو البرغل على الغداء في الساعة الرابعة. وجبات الطعام لا تتغير ولا تتنوع طيلة فترة الاعتقال، مهما طالت المدة.
وبعد نهاية الأسبوع الأول يبدأ التحقيق، يومياً، منذ ما بعد منتصف الليل وحتى الساعة الرابعة فجراً، ويبقى المعتقل فيها معصوب العينيين. ويتم تصوير جميع عمليات التحقيق وأرشفتها، كما يتم اجبار المعتقلين على فتح حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتولى مهمة التحقيق في “العقاب” محمد كريش المعروف بأبو حذيفة حلفاوي، من حلفايا في ريف حماة الشمالي، وكان يمتهن البناء قبل انضمامه لـ”النصرة”. والمحقق الثاني هو أمير العقاب أبو خديجة صوران، أحياناً أمير قاطع حماة أبو يوسف الحموي. ويبدأ التحقيق بالشبح، والضرب العشوائي على سائر انحاء الجسم، باستخدام خراطيم التمديدات الصحية، عدا عن اللكمات على الوجه والرأس والمناطق الحساسة في الجسم.
ويتولى مهمة التعذيب “الجلادون”، وأهمهم صاحب الصيت المخيف سامي الحمود المعروف بأبو خالد مازوت، من قرية العوينة في ريف حماة سهل الغاب، وهو أحد أمنيي “النصرة” في جبل الزاوية، ويعاونه “أبو حسن 600” من بلدة حلفايا في ريف حماة الشمالي.
وبعد انتهاء التحقيق الذي قد يستمر لثلاثة شهور، ينقل السجين إلى المعتقلات الجماعية. وتضم مغارة القحبة 26 منفردة وثلاث جماعيات. ويتم عرض المتهمين حينها على قضاة معينين من “النصرة” وهم أبو مهدي الأندونيسي، الذي قضى في ريف حلب الجنوبي منذ فترة، وأبو عزام السعودي، وأبو جابر الحموي، وأبو أسيد الجزائري.
وفي حال قرر “القضاة” إخلاء سبيل المتهم يتم تحويله إلى “دور القضاء” التي لها فرعان؛ في قرية مرعيان في جبل الزاوية أو في خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي. وأمير “دور القضاء” هو عامر الأسود المعروف بأبو صهيب حلفايا، وهو من بلدة حلفايا، وتربطه صلة قرابة بأبو يوسف الحموي أمير قاطع حماة.
اخلاء السبيل يكون فقط من معتقل “العقاب”، إذا بعده تبدأ حكاية سجن أخرى في “دار القضاء” الذي يختلف فقط عن “العقاب” بترك عيون المعتقلين مفتوحة. ويتم عرض السجين في “دور القضاء” على قاض واحد، هو أبو صلاح الشامي، من مدينة عندان في ريف حلب الشمالي، الذي كان ضابطاً في جهاز “الأمن العسكري” لدى النظام السوري.
وهناك وسطاء بين إدارة “العقاب” وبين ذوي المعتقلين، لفك أسر ذويهم لقاء مبالغ مالية. ولكل تهمة مبلغ مالي يتم قبضه مقابل اطلاق سراح المعتقل. وتبدأ هذه المبالغ من ثمن بندقية كلاشينكوف” وصولاً إلى 500 ألف دولار أميركي.
جماعة “المتابعة” هي لجنة مهمتها الدفاع عن المظلومين في معتقلات “العقاب”، كمقابل لـ”محامي النيابة العامة” في المحاكم المدنية. لجماعة “المتابعة” أمير أيضاً، وهو يوسف العمر المعروف بأبو اسلام متابعة، من قرية الرامي في جبل الزاوية. المُضحك أن “جماعة المتابعة” لا تختلف في دورها عن الجلادين والمحققين بشيء، فهي تضرب وتحقق، ولها ذات صلاحيات المحققين.
في “العقاب” النوم والطعام غير مجانيين، والسجين يدفع تكاليفهما، عند اطلاق سراحه.
المدن – نسيب عبد العزيز