أثّرت الأحداث التي تعيشها سورية خلال الأربع السنوات الماضية على جميع مجالات الحياة، وكان للجانب التعليمي النصيب الأكبر للتأثّر في هذه الأحداث، ولاسيّما في الريف السوريّ المهمّش أصلاً.
مدارس المزارع
معظم مدارس قرى الريف الشرقيّ لبلدة سراقب يكاد يكون فيها التعليم في أسوأ أحواله، حيث يقع الطفل في تلك القرى ما بين نارين:
يتمثّل الأوّل في المدرسة التي لا تعيره أيّ اهتمام، والثاني من الأهل الذين هم بالأصل أميّين، ففي مدارس تلك القرى وخاصّة «المزارع» وهي عبارة عن قرى صغيرة تشكّلت من مجموعة عائلات تربط بينهما صلة القرابة حيث أقامت بيوتها في أراضيها الزراعيّة ومزارعها وسمّيت بالمزارع، وبسبب بعدها عن القرى التابعة لها أنشأت الدولة لكلّ مزرعة منها مدرسة تستوعب عدد التلاميذ حيث لا يزيد عددهم في الواقع عن 60 تلميذاً للمرحلة الابتدائيّة،يتضاعف هذا العدد في السجلات الرسميّة للمدرسة لأسباب عدّة منها انتقال سكّان تلك المزارع لمناطق أخرى لتأمين فرص عمل أفضل،وتسرّب الكثير من الأطفال لمساعدة أهاليهم في الزراعة والرعي، وهكذا يبقى مستقبل التلاميذ مرهوناً باستقرار عائلاتهم وبفرص العمل التي تتاح لهم.
صفوفٌ مجمّعة
تحدّثنا المعلّمة «سماح رجب» معلّمة في إحدى «المزارع» عن الوضع التعليميّ لهؤلاء التلاميذ قائلةً:
بعد الاجتياح العسكريّ الأوّل لسراقب والقصف المستمرّ للبلدة، نزح معظم السكّان مع أطفالهم للقرى المجاورة وتعطّلت العمليّة التعليميّة في معظم المدارس وأدّى هذا الوضع إلى انتقال أكبر عدد من المدرّسين إلى التدريس في مناطق النزوح وكان المكان الذي نزحتُ إليه هو إحدى تلك المزارع المنسيّة وعيّنتُ فيها كمعلّمة للصفين «الثالث – الرابع» لأنّ نظام المدرسة يعتمد الصفوف المجمّعة، وبدأت المأساة والمفاجأة، فمعظم التلاميذ»لا يفكون الحرف» بحسب تعبير أهالي المنطقة.
تلاميذٌ لا يعرفون القراءة
ولدى سؤالنا لها عن السبب أجابت:
كانت المفاجأة كبيرة، ففي اليوم الأوّل لي في المدرسة،وفي أوّل حصّة – وقد كانت لحسن الحظّ – «قراءة» وبعد أن قمتُ بقراءة الدرس وبشرحه وأذكر أنّه كان يتحدّث عن سورية، ولدى سؤالي للأطفال عن عاصمة سورية جاءت الإجابات من التلاميذ: حمص، سراقب، ولم أوفّق بإجابة صحيحة، واسترسلتُ في الأسئلة: ما اسم دولتنا التي نعيش فيها؟ وهنا اكتشفتُ أنّ معظم التلاميذ لا يعرفون شيئاً عن بلدهم وعن اسمه، أو عن أيّ شيء آخر فيما يخصّ هذا الموضوع أو غيره، لأتفاجأ بعد قراءة الدرس بعدم معرفتهم القراءة أو الكتابة أيضاً.
مشاركة الأهل بمعاقبة الأطفال
وتضيف سماح قائلةً: تعرّفتُ فيما بعد على أهالي المزرعة وبدأتْ تتوضّح لي بعض الأمور الأكثر قسوة، فالتلميذ لا يتعرّض للضرب فقط في المدرسة لعدم معرفته القراءة أو الحساب وإنّما في المنزل أيضاً له نصيب.
الطفل «حسّون» في الصفّ الثاني، يأخذ حصّته من العقوبة من قِبل معلّمة اللغة الإنكليزيّة، ليبدأ الأهل بمعاقبته بعدها في البيت،يشتم حسون المدرسة والتعليم ويحمل عصاه ويقود قطيعه إلى المراعي ليعود منهك القوى في المساء ويضع رأسه في أيّ مكان لينام في ثياب المدرسة والرعي ويحلم بانتهاء زمن المدارس،وما أن يحلّ الصباح حتّى يتعالى صوته الذي يملأ المزرعة بالصراخ رافضاً الذهاب إلى المدرسة.
تقول «أمّ حسّون»: – «بلهجتها البدويّة – احنا ناقصنا نتعلم الإنكليزي يالله نتعلم نقرا بالعربي ونكون بألف خير، خلّي هالآنسة تولي».
لا يتوقّف هذا الحال عند حسّون فقط، فجميع أطفال القرية يعانون معاناة حسون.
وتخبرنا «أمّ حسّون» بأنّ هذا الوضع هو بسبب المعلّمات اللواتي كنّ يأتينَ للتدريس بتلك المزرعة إذ لم يكن اهتمام أيّ واحدة منهنّ بتعليم الأطفال، بل كنّ وما زلنَ يجلسنَ فقط لشرب القهوة والشايّ، وتذكر أيضاً أنّه لا يوجد أحد يهتمّ للتلاميذ، فقط يذهب التلاميذ إلى المدرسة للعب وأحياناً كثيرة – وذلك بحسب مزاج المعلّمة – يتعرّض الأطفال للضرب من المعلّمة.
أطفالنا، أيّ مستقبل ينتظرهم
أمّا المعلّمة «حلا» فتقول بأنّ هذا حال أغلب المدارس وقد ازداد سوءاً أثناء الثورة، وهذا العنف الذي يُمارس على أطفال الريف يتقاسمه الأهل والمدرسة معاً، فمعظم الآباء من الأميين،ويرون مستقبل أبنائهم في زراعة الأرض وتربية الماشية، أمّا التعليم فهذا آخر ما يفكرون به.
ولا يقتصر هذا على الحال في هذه المنطقة فحسب، وإنّما هو حال جميع أرياف سورية، وحسّون ورفاقه هم غيض من فيض، وهنا نشير إلى أنّ كارثة كبرى يشارك فيها الجميع بحقّ الأطفال السوريّين ومستقبلهم، وبالتالي بمستقبل سورية.
فلك الخالد