في الوقت الذي يرى فيه مراقبون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نكسة للاتحاد على المدى القصير، حيث جاء توقيت هذه الخطوة مفاجئ نوعا ما، يرى آخرون أن هذا الخروج يحمل في مضامينه ما يحمل من أثار وانعكاسات على المستوى الأوروبي نفسه وحتى العالمي، والذي يحتل فيه الملف السوري، المكانة الأبرز.
ويبقى الغموض يكتنف الموقف إزاء الانعكاسات التي قد يتركها الهروب البريطاني خارج العباءة الأوروبية على القضية السورية، التي مارست بريطانيا فيها دور المحايد تقريباً، حتى على الصعيد الإنساني، واتهمها آخرون، لا سيما قبل أشهر، بالتقرب من النظام السوري وحلفائه، (الروس والإيرانيين).
الآراء المناهضة لموقف بريطانيا على صعيد الازمة السورية استشهدت في هذا السياق بما قاله وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، في أيلول من العام 2015م، بأن بلاده مستعدة لبقاء بشار الأسد رئيساً في الفترة الانتقالية، موضحاً أنه عندما يتم التوافق على عملية تسليم السلطة مع الروس والإيرانيين أيضاً وهذا سيتطلب عدة أشهر، فإن بلاده ستناقش الأمر حتماً.
وتشير المتابعات للأدوار السياسية في الملف السوري، لا سيما على صعيد الدول الأوروبية، إلى أن لندن تعمدت اتباع المرونة الآنية مع الروس والإيرانيين فيما يخص القضية السورية، ولكنها كانت مراراً وتكراراً على مسافة بعيدة من الأزمة ككل، لا سيما من جانب المعارضة، حتى في مشهدها الإنساني، حيث امتنعت عن فتح أبوابها للجوء السوريين الفارين من الحرب، أسوة ببقية دول أوروبا، واعتمدت مبدأ انتقاء القلة القليلة، متعرضة بذلك لانتقادات حادة عالمياً.
وكانت الـ”دايلي ميل” البريطانية قد نشرت تقريراً خاصاً بعنوان “الاستخبارات البريطانية الخارجية (MI6) تجهز ملفا حول جرائم الحرب التي يرتكبها بوتين في سوريا”، وذلك في آذار من العام 2016م، وذكرت الصحيفة أن عناصر أمن بريطانيين متواجدين في لبنان يتابعون تطور الأحداث السورية عبر استقصاءات قد يحصلون عليها من هاربين من مناطق الصراع… أو غيره. لكن مراقبين رأوا في هذه الخطوة مجرد شماعة للبريطانيين لتغطية الانتقادات المنهالة عليهم على صعيد التعامل مع الملف الإنساني السوري.
من جانب مقابل، وعلى صعيد العلاقة مع العرب وحتى المسلمين في بريطانيا، ترى آراء أن خروج الانكليز من الاتحاد ضار ومفيد في الوقت نفسه بالنسبة لهؤلاء، ولكن الفائدة ربما تكون اكبر بكثير من الخسارة. وترى أن الجالية العربية والإسلامية ستكون متضررة حتما من هذا الخروج البريطاني، لأنها ستكون احد ابرز ضحايا اليمين العنصري المتطرف المعارض للهجرة والمهاجرين بقوة، حتى لو كانوا من دول أوروبية بيضاء، مثل رومانيا وبلغاريا، ناهيك عن المسلمين أو السوريين منهم.
كما تتابع الآراء نفسها أن الجالية العربية والمسلمة قد تواجه في المستقبل عقبات على صعيد حرية التنقل، على غرار ما يحدث حاليا في الولايات المتحدة ودول أخرى مثل استراليا ونيوزيلندا، لان جواز السفر البريطاني لم يعد وحده كافيا لركوب الطائرة دون التقدم للحصول على إذن مسبق، تحت مسميات متعددة، طالما أن أصلك غير بريطاني، ولون بشرتك غير بيضاء، والذريعة هي الخوف من الإرهاب، مضافا إلى ذلك أن حرية التملك والإقامة والعمل في دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 قد تتبخر في المستقبل القريب.