زيتون – نسرين بيوش
في مركز المعالجة الفيزيائية داخل تركيا التقيتُ بهند بتاريخ 5/7/2014 وهي أهالي محافظة إدلب، ومتزوجة بشاب من محافظة دير الزور، وأم لثلاثة أطفال.
جذبتني تجاهها رغبة قوية في التعرف عليها وخاصة عندما رأيت تصميمها في التغلب على إصابتها، الأمر الذي استدعاني من للاقتراب منها وسؤالها عن ما جرى لها.
بدأت كلامها بالتعريف عن نفسها، وانتقلت لتصف لي سعادتها بالعيش مع زوجها في دير الزور، رغم بعدها عن مدينتها، ولكن ما لبثت أن توقفت عن الكلام، وكأن شيء علق في فمها.. غصة امتزجت بالدموع.
تابعت كلامها بعد قليل حيث قالت: بدأتُ أعاني بسبب الوضع في المدينة، فالقصف المستمر دفعنا إلى ترك منازلنا، حيث قام زوجي بنصب خيمة في أرض زراعية بالقرب من البلدة التي نقطنها، اعتقاداً منه أن بهذه الطريقة نكون بمأمن عن القصف.
كان اعتقاده خاطئا تماماً ففي صبيحة الاثنين بتاريخ 2/3/2014 امتلأت الأرض الزراعية التي نصبنا فيها خيمتنا بالأهالي الهاربين من القصف.. صوت طائرة حربية يملئ سماء المنطقة، والكلام لهند، مضيفةً: العيون تراقبها بحذر وخوف، وتترقب المكان المستهدف، أما أنا فكنت أقوم بتنظيف الخيمة، سمعت أحدهم يقول: «إنها تتجه نحونا».
آخر كلمات سمعتها «هند.. اخرجي من الخيمة « وكانت مختلطة بصوت هدير الصواريخ المتجهة نحونا، والتي أدركت لاحقاً أنها سقطت بجواري، حينها غبت عن الوعي، لأصحو في مشفى المدينة، كانت الجراح منتشرة في كل أنحاء جسدي.
حدثني زوجي عن ذلك اليوم، حيث قال لي: رأيت الطائرة متجهة نحونا، وأسقطت منها صاروخين، لم أدرك أننا المستهدفون حتى وقع الانفجار، انقلبت الأرض فوق خيمتنا وردمتي تحت التراب، إلى أن رأى أحدهم أصابع يديكِ، ولم يكن يظهر منك سواهم.
بعد إصابتي تم تحويلي إلى مشافي تركية، وخضعت حينها لكثير من العمليات في قدمي التي أصيبت إصابة بالغة، حتى كدت أفقدها، لتستمر بذلك معاناتي عدة أشهر إلى أن تم تخريجي بتاريخ 15/6/2014 ولكن للأسف تخرجت قبل أن أشفى.
لم نعد بعد خروجي من المشفى التركية إلى دير الزور، فقد قرر زوجي إدخالنا إلى المخيمات المتواجدة داخل الأراضي التركية، ولم تكن حالتي حينها أفضل مما سبق.
أيام وبدأت أحس بأن شيء يتحرك داخلي.. لا لست حامل.. لا أريد إنجاب طفل وأنا بهذه الحال.. لكن للأسف وبعد التصوير تبين أنني أحمل بطفلة.
عانيتُ كثيراً في فترة حملي، فقد كان اليأس يملأ حياتي، إلى أن وضعت مولودتي الصغيرة، كانت جميلة ولطيفة جداً، ولكن فرحتي بها لم تتوج بحملي لها بين يدي، فقدمي لا تساعدني على حملها.
لم أفقد الأمل بالعودة للمشي مجدداً، ورغبتي بذلك دفعتني إلى الذهاب لمشفى قريب من المخيم ولكن لم أصادف فيه دكتور يتحدث العربية فعدت أدراجي حاملة معي خيبة أمل كبيرة.
شاءت الأقدار بأن ألتقي طبيباً من سورية داخل المخيم ويعمل في مركز للمعالجة الفيزيائية، حيث قام بتحويلي إلى هذا المركز وأشرف على حالتي وكان يشد من عزيمتي ويشجعني للنهوض من جديد.. كان إنساناً رائعاً.
بعد فترة ليست طويلة تمكنت من الوقوف، وبعدها بمدة قصيرة صرتُ أمشي بضع خطوات بمساعدة العكازات، كانت مصرة على المشي، كي أتمكن من حمل طفلتي بين يدي وأمشي بها وهي في أحضاني.. وها أنا ذا كما تري.
اختتمت قولها بهذه الكلمات تركت هند في ذلك المركز وكلها أمل.