زيتون – نسرين بيوش
غرفة صغير خاوية على عروشها، ليس لها شبابيك أو أبواب، في وسطها أطفال يتناقلون شيئاً فيما بينهم، وكأنها دمية أحضرها والدهم ليلعبوا بها، ينظر إلي عبد الناصر والابتسامة تعلو وجهه ويقول: «انظري ماذا يفعلون بقدمي الصناعية».
عبد الناصر صادق قدور، ثمانية وعشرون عاماً، من مدينة كفرنبل، في ريف إدلب الجنوبي، متزوج وله طفلان.
يعمل القدور في بناء المنازل، وهي مهنته السابقة قبل أن يفقد قدمه في معركة الحامدية بريف معرة النعمان الغربي بتاريخ 13/2/2013.
«عُرفت تلك المعركة باسم (تحرير حاجز الطراف)، انطلقنا حينها قبل طلوع الضوء، الجميع في مراكزهم, صمت غريب يخيم على المكان، زقزقة بعض العصافير تشوب هذا الصمت، والتي بالكاد بدأت تصحوا من نومها، تلك اللحظات لن تمحى من ذاكرتي طالما حييت»، يقول عبد الناصر.
انطلقت المعركة وكانت مهمة مجموعتنا اقتحام «الدشم» الأولى لتحصينات قوات الأسد, «لا أخفيكيم أن شيئاً من الخوف تسلل إلى داخلي», أحمد صديق عبد الناصر مقاطعا حديثنا: «رأيت عبد الناصر راكضاً أمامي وكأن لا أحد في تلك الدشم, هذا ما قوى عزيمتي, ولم أعد خائفاً في تلك اللحظات».
لم أدرك ما الذي حصل لي وأنا راكض باتجاه الدشم، كل ما أتذكره أنني رأيت جنود النظام يفرون أمامنا، «لغم أرضي انفجر تحت قدمي قبل أن أصل», يقول القدور.
سنة كاملة يتكئ فيها عبد الناصر على عكازه المتواجد في منزله حتى الآن، وبحسب ما قاله: «لم يكترث لأمري أي أحد مدة سنة كاملة، سنة وأنا أطرق باب هذه المنظمة, وباب تلك, وأخيراً استجابوا لي بعد معاناة أحسستُ فيها بإهانات كبيرة، واشتروا لي هذي التي ترينها»، في إشارة منه إلى الرجل الصناعية.
يقول عبد الناصر: «بعد إصابتي تغيرت كثيراً, تغير وضعي, تغيرت معيشتي, لا أحد يهتم لي, أصبحتُ كالهامش لا وجود لي, كل شيء قدمته من أجل أن يعيش غيري لم أتلقى تقديراً عليه، ولكن أحتسب أجري عند الله».
سنة كانت كفيلة أن تتغير نفسية القدور وتتحول إلى الأسوأ حتى بات لا يطيق حياته ولا من حوله من أهل منزله، قالتها زوجته وهي ضاحكة، ولكن الآن «تغير كثيراً وأصبحت نفسيته أفضل بكثير، بدأ يخرج من المنزل إلى أصدقائه، وعاد إلى سهرات الشدة (الورق)».
منزله المكون من غرفة واحدة، لا يوجد لها شبابيك أو أبواب، لا يقي أطفاله برد الشتاء وحر الصيف، وحيات بسيطة لا تخلو من متطلبات كثيرة, دفعت عبد الناصر إلى العودة لعمله السابق وهو بساق واحدة، عزة نفسه منعته أن يطرق باب أحد طالبا منه العون.
يقول عبد الناصر: «ساءت أوضاعنا المعيشية كثيراً, فاضطررت إلى العودة لعملي السابق في البناء، هذا الأمر أثار استغراب الكثير من الناس عن كيفية قدرتي على البناء وأنا برجل واحدة، ولكني عملت في منزلي قبل الخروج إلى مكان آخر، ولاحظت قدرتي على العمل بمساعدة الطرف الصناعية، وفعلا بدأت بالعمل وأخذت ورشة ولم أعد بحاجة أحد».
يتابع القدور: «طبعاً العمل الذي أقوم به ليس بالأمر السهل، هو صعبٌ جداً، ولكن (بقولوا أشو اللي جبرك عالمر غير الأمر منو), لذلك أنا أعمل حتى أعيش دون حاجة أحد، ولا أكسر نفسي لأطلب من أحد».