جريدة زيتون
زيتون – أسامة عيسى
“معك قرش بتسوى قرش.. معك دولار بتسوى 620.. بنشتغل بناكل خبز… مابنشتغل ما بناكل! وإذا فتحنا ثمنا أكثر بننشحط”.
بهذه الكلمات وصف نايف .ع حال قاطني درعا من “الدراويش”; المحافظة التي انطلقت منها شرارة الأحداث الأولى في الثورة السورية إبان العام 2011م، والتي سرعان ما تحولت إلى واحدة من المحافظات السورية المنكوبة، بفعل عمليات الحصار التي مارسها النظام على مجموع المناطق المحررة منها.
أثرت أسعار صرف الدولار المرتفعة والانهيار المقابل في أسعار الليرة في الجنوب السوري، كما مناطق أخرى، ومنه درعا، حيث بات الغلاء العنوان الأبرز في الأرياف المحررة من المحافظة، بدءاً من الغربي ومروراً بالشرقي وصولاً إلى الريف الشمالي الغربي وقسم من الأوسط.
ويتحدث سكان محليون من ريف درعا ونازحون إليها لـ”زيتون” عن واقع مزري للحياة التي باتوا يعيشونها، مشيرين بذلك إلى دور “غير نظيف” تمارسه فئات من “تجار الأزمات” وتابعيهم، في سبيل جني مزيد من الأرباح، الأمر الذي أدى من حيث النتيجة إلى التأثير سلباً في حياة المدنيين المتأثرة بطبيعتها بفعل كوارث الحرب المستمرة.
محمد النعيمي، وهو نازح من ريف القنيطرة إلى ريف درعا، يرى أن ارتفاع الأسعار في العملات أدى لتحول المدنيين إلى ضحايا لتجار يقومون باستغلال ارتفاع العملات الأجنبية في فرض مزيد من الغلاء عليهم، ويستشهد بارتفاع طال أسعار مواد غذائية، من المعروف عنها أنها منتجات محلية، حتى من نفس محافظة درعا، كما هو الحال في الخضراوات، التي لم تكن بمنأى عن ارتفاع الأسعار، فباتت بحسب النعيمي مرتبطة هي الأخرى كما يقول “تجار الأزمة” بالدولار ارتفاعاً وليس هبوطاً.
ويضيف “النعيمي” متهكماً: “ليست حالنا هنا بأفضل من حال السوريين في مناطق ثانية، هذا نعلمه جيداً، لكن أن نتحول كمواطنين إلى سلعة في يد القابضين على الثروة يسرحون ويمرحون في قوت يومنا فهذا هو الذل والهوان، لا سيما ونحن نتحدث عن ثورة كلفت السوريين آلاف الشهداء، الذين ماتوا لكي نعيش نحن بكرامة، لا أن ياتي تجار حروب من بعدهم ويسرقوا دمائهم ويمتصوا دمائنا، متحكمين حتى بالهواء الذي نتنفسه”.
بدورها، تشكو “هنادي مسلماني”، وهي مقيمة في ريف درعا الشرقي من نقص السيولة في يد الأهالي ومن أسمتهم بـ”الناس العاديين”، وتشير في المقابل إلى بروز فئة من العاملين في مجال صرف العملات، تقول إنهم على صلة بتجار المواد الغذائية والمحروقات، وهؤلاء يقومون بالاتفاق مع بعضهم البعض من أجل فرض مزيد من الأسعار على السكان، تحت أعين الفصائل المعارضة المسيطرة هناك.
وعن المساعدات التي تقدم للمدنيين، تقول مسلماني: “لا توجد مساعدات، نحن نسمع بذلك من الإعلام وعبر صفحات المنظمات أنها توزع على كل محتاج، بينما لا يعرف الحال إلا من يعيشها. إن كان هناك توزيع مساعدات لمن يستحق كما يقولون هم، ولا ندري المقياس الذي يقيسون به!، فانظر على من يوزعون أولاً ثم انظر إلى نسبة ما يقومون بتوزيعه ثانياً، وما يتبقى يذهب إلى جيوب لا أحد يعرف لمن تعود”.
وتردف بالقول: “أصبح برأي كثيرين ورأيي أنا أن الموت أريح من مثل هذه الحياة… أستغفر الله.. كل شيء أصبح مبهماً ولا نعلم لما نعامل هكذا، نشعر بنفسنا كـ(ناس دراويش) بأننا لا حق لنا، لا قبل الثورة ولا بعدها، كنا نعيش في ظلم والآن نعيش في ظلم مماثل..”.
مهند الحوراني، ناشط من درعا، يقول إن ما يشكو منه السكان بين أهالي ونازحين هو “حقيقة مُرّة يدركها الجميع”، ويضيف “الجيش الحر يعلم ظروف الناس العاديين، وكذلك ما تسمى المنظمات الإنسانية، وهي بالعشرات بالمناسبة، ومع ذلك يمكن أن تجد عائلة تبات وليس في بيتها رغيف خبز واحد، نتيجة عدم قدرتها على شرائه، كما لا يمكن للعائلة أن تشتري لأي من أبنائها قطعة لباس واحدة، وخاصة إذا ما نوهنا بأن هبوب الأسعار الأخير الذي رافق ارتفاع سعر الصرف للدولار جعل فئات التجار الجشعين يمتصون دماء الناس مستغلين بذلك كل ما يمكن أن يوصلهم لمزيد من الأرباح الفاحشة”.
ويؤكد نايف .ع، المقيم في ريف درعا الغربي، الفرضيات المحكي عنها آنفاً، ويقول بدوره: “معك قرش بتسوى قرش.. معك دولار بتسوى 620.. بنشتغل بناكل… مابنشتغل ما بناكل! وإذا فتحنا ثمنا أكثر بننشحط”، وفي سؤاله عن مدلول كلمة “بننشحط” التي قالها أجاب بعبارة لفّها الإبهام هي الأخرى: “يعني بياخذونا عبيت خالتنا، عند الأسد كان في إلنا بيت خالة، وهو إلنا كمان… الله ما بيقطع حدا..!!”.
ويختم الناشط الحوراني بالقول: “نحن لا نقول أننا نعيش في مدينة فاضلة، بل نحن نعرف إنها ثورة ومن ضمن الثورة يمكن أن تحدث حالات فوضى، صحيح، هذا أمر طبيعي، لكن الشيء غير الطبيعي أن يبقى الناهبون على نهبهم، وأن تبقى سياسات منظمات الثورة وما يتبع لها على حالها، وهي التي أفقرت الفقراء فوق فقرهم، وأن تتكاثر أمام عينيك يومياً زمر تجار الحروب وأمرائها وأنت لا زلت تتحدث عن مثل الثورة، دون القدرة على فعل شيء..”.
