زيتون – أسامة عيسى
باتت الحكومة السورية المؤقتة، وهي التجربة التي يشعر عدد كبير من السوريين في جانب المعارضة بفشلها في اللحاق بركب الميدان، على محك حقيقي، بعد أن أعلن الائتلاف الوطني قبل يومين تكليف جواد أبو حطب رئيسًا جديدًا لها، خلفًا لأحمد طعمة.
أبو حطب وهو طبيب جراح من ريف دمشق، نال أغلب أصوات أعضاء الائتلاف متفوقاً بذلك على عدد من المرشحين لا سيما أقرب منافسيه ياسين النجار الذي نال 12 صوتاً، مقابل 71 صوتاً لأبو حطب، ليخلف بذلك أحمد طعمة الذي كان الرئيس الأول للحكومة، التي تعرضت لانتقادات كبيرة بسبب تراجع دورها وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف التي شُكّلت من أجلها، فضلاً عن اتهامها بقضايا فساد إداري وما إلى ذلك.
مجموعة الإشكالات التي ظهرت من خلال عمل الحكومات السابقة، سواء عبر تجربة الجربا والبحرة وطعمة، جعلت فئة كبيرة من مناصري الثورة السورية من السوريين أنفسهم في الداخل والخارج ينظرون إلى هذه المؤسسة كإحدى العوائق التي تقف في طريق ثورتهم، والتي يقولون إنها تلقت صدمات كبيرة من دول تأمرت عليها، وأطراف داخلية سعت جاهدة لإفشالها ولا زالت، وهو ما تراه هبة الشامي الناشطة من حمص، أنه “حق للسوريين الذين دفعوا ضريبة مليون شهيد ومفقود ومعتقل أن يكون لهم صوت حقيقي معبر عنهم، وكفؤ بذات الوقت، وليس من تعيين الدول التي لا تريد للثورة الوصول إلى طريق النهاية” على حد تعبيرها.
وتضيف الشامي: “كفى الشعب السوري 5 سنوات متواصلة من الحرب والدمار والموت الذي خلف نكبات تلت نكبات. نحن لا نعترض على قدر الله، فنحن الآن ندفع ضريبة تحررنا من براثن الاستبداد من دمائنا، لكن عتبنا أن تأتي حكومات تمثل الثورة بالاسم وهي لا تمتلك رصيد في الشارع، أو الأدهى أن تكون تابعة لأجندات خفية من تحت الطاولة وتتأمر على الثورة في الوقت الذي تدعي فيه أنها ممثلتها الحقيقية في الأروقة الدولية، وما الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة بنسخهما المتعددة إلا أمثلة حقيقة على حجم الفشل الذي تعاني منه المعارضة المتشرذمة، والتي لم تستطع على مدار خمس سنوات متواصلة اللحاق بركب الثورة، بل إن كل ما أنتجته هو مزيد من الخلافات والصراعات على الكراسي”.
وكان رئيس الحكومة المؤقتة “المكلف” جواد أبو حطب، أعلن، أمس، أن الحكومة المقبلة ستركز على خدمة المواطنين وحل الأزمات والإشكاليات اليومية التي يعيشونها، مؤكدًا أنها لن تعتمد على مبدأ المحاصصة في اختيار الوزراء.
أبو حطب الذي اختار هذه المرة وعلى خلاف سابقيه، إطلاق مؤتمره الصحفي الأول من الداخل السوري، عقده في محافظة إدلب المحررة، جاءت خطوته تلك كتأكيد على الورطة التي باتت مؤسستا الثورة (الائتلاف والحكومة المؤقتة) تدركان الوقوع بها في مواجهة الحاضنة الشعبية، حيث يأتي هذا الحدث، بعد أقل من شهر على إعلان رئيس الائتلاف الوطني، أنس العبدة، عن أن الائتلاف يسعى لأن تعمل الحكومة الموقتة المقبلة من داخل سوريا، وهو ما أعقبه انتخاب أبو حطب المتواجد أساساً في الداخل شمال البلاد.
وفي مؤتمر الحكومة الداخلي، قال أبو حطب إن وزارات “الإدارة المحلية، والتربية والتعليم، والصحة، والداخلية” ستكون الوزارات الأساسية في الحكومة، فيما سيُمثل عدد من المجالات الأخرى كالثقافة بمديريات في المناطق المختلفة، إلى جانب تشكيل هيئة مستقلة للرقابة والتفتيش لمراقبة عمل الحكومة، وأن وزارة الداخلية المزمع تشكيلها ستكون معنية بمسألة إصدار الوثائق الشخصية للمواطنين السوريين، معتبرًا إياها “أحد أكبر المشاكل التي يواجهها المواطنون في المناطق المحررة”.
وبحسب “الرئيس” الجديد ، فإن أعضاء حكومته هذه المرة سوف يكونون “من ذوي الاختصاص”، وسيتم ترشيحهم من قبل “أصحاب الخبرات والفعاليات المختلفة، كما أن الحكومة الجديدة لم تقوم على أساس “المحاصصة” مطلقًا.
بالمقابل، يرى مهند الجولاني، وهو ناشط من القنيطرة، أن اتهام المعارضة بالتأمر على الثورة هو نتيجة “تجاربها الفاشلة في التبعية للدول وليس للشعب السوري الثائر”، ويضيف “هذه الحكومة أو الحكومات عفواً، لم تستطع أن تغيث المحاصرين في الغوطة ولا في درعا ولا في دير الزور أو حمص أو إدلب أو حلب. هذه الحكومة تأتيها مليارات الدولارات ويعيش وزرائها في أرقى أحياء تركيا والأردن، والشعب في الداخل تمر عليه أيام ولا يوجد لديه علبة حليب أو رغيف خبز. ضمن هذه المعادلة القاتلة عن أي حكومة ثورية تريدني أن أتحدث، إنها وصمة عار برأيي ورأي الكثيرين في جبين الثورة التي لم تستطع إقتلاعها حتى الآن وتعيين حكومة من الداخل تمارس أعمالها كاملة في الداخل وترتبط بالخارج بممثلين أو عناصر ارتباط يسيرون المهام لا أكثر ولا أقل”.
ويتابع بالقول: “إذا أراد جواد أبو حطب أن يختلف في أدائه عن سابقيه، فهو مطالب الآن بكشف عورة كل متسلق معه ومحاسبة كل من سرق أموال السوريين، وأن يمنع تعيين أي شخص من خارج سوريا في الحكومة، وهذا الأمر لسبب بسيط وهو أنها مكلفة بتسيير أمور الناس، وبالتالي من اللازم أن يكون أعضائها من هؤلاء الناس أنفسهم، ممن يمرون بمعاناتهم ويشعرون بآلامهم..”.