زيتون – ياسمين محمد
تشهد الغوطة الشرقية في الفترة الحالية أحداثاً دامية جراء الاقتتال الداخلي بين فصائلها المتمثلة بجيش الإسلام من جهة وكلاً من « فيلق الرحمن وجيش الفسطاط المشكّل حديثاً من جبهة النصرة ولواء فجر الأمة وحركة أحرار الشام الإسلامية» من جهةٍ أخرى.
ولم تكن هذه الأحداث وليدة اللحظة, وإنما جاءت بناءًا على أحداثٍ متواترة، ازدادت في الآونة الأخيرة، ولا يخفى على أحد العداء القديم والمتبادل بين جيش الإسلام وكلاً من جبهة النصرة والإتحاد الإسلامي لأجناد الشام.
كما لا يخف على أحد العداء بين الشيخ «سمير كعكة « أبي عبد الرحمن شرعيّ جيش الإسلام, والشيخ «خالد طفور» أبي سليمان شرعيّ الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام.
كيف بدأ الاقتتال؟
جاءت أحداث الغوطة الشرقية مؤخراً رداً على رفض جيش الإسلام تسليم المتورطين في محاولة اغتيال الشيخ طفور للجنة القضائية المختصة بالتحقيق في قضية محاولة الاغتيال، ولم يكتف جيش الإسلام بذلك وإنما قام بوضع حاجز لجيش الإسلام في بلدة مسرابا على بعد مئات الأمتار فقط من حاجز فيلق الرحمن، وحصلت مناوشات بين عناصر الفصيلين.
وكان قد سبقها بالهجوم على مقرات لواء فجر الأمة في حرستا، ومقرات الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام في زملكا، ومقرات فيلق الرحمن في دوما، محاولاً إفشال عملية اندماج الاتحاد الإسلامي في صفوف الفيلق، وقتل 4 عناصر من الاتحاد الإسلامي، وأنهى أي وجود لأي فصيل عسكري غيره في مدينة دوما.
ورداً على ما سبق, شنّ كلاً من فيلق الرحمن وجيش الفسطاط هجوماً على مدينة دوما الخاضعة لسيطرة جيش الإسلام، في 28 نيسان الفائت، واقتحمت جبهة النصرة منطقة «العب» في مدينة دوما من جهة مسرابا التي يسيطر عليها فيلق الرحمن، وقامت النصرة باعتقال عددٍ من عناصر جيش الإسلام، لتبدأ المعارك الداخلية في الغوطة الشرقية.
قتلى وأسرى بين الأطراف المتنازعة:
وكان فيلق الرحمن قد أسر عناصر من جيش الإسلام مع عتادهم في بلدة مسرابا، وأعلنت القيادة العامة لحركة أحرار الشام الإسلامية من شمال سوريا، اعتزال الحركة لهذا الاقتتال، فيما أصرت قيادة الحركة في الغوطة على المضيّ بتلك المعارك، وقام جيش الإسلام على الفور بسحب كل قواته من جبهة دير العصافير.
لتقوم جبهة النصرة بمحاصرة القوات المنسحبة في منطقة المحمدية لمنعها من الوصول إلى بلدة بيت نايم الخاضعة لسيطرة جيش الإسلام، وقتلت وأسرت عدداً من عناصر الجيش، وحاصرت جيش الإسلام من جهة المحمدية وبيت نايم.
وردّ جيش الإسلام باقتحام بلدات مديرا وبيت سوا المحاذيتان لمسرابا من جهة الشرق بالدبابات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وكذلك مدينة حرستا المحاذية من جهة الغرب، وتمكن من السيطرة على بلدة بيت سوا بشكلٍ كامل، علماً أنّ «فيلق الرحمن» كان قد أصدر بياناً أعلن فيه عن وقفه إطلاق النار، ابتداءًا من صباح اليوم ذاته، قبل أن يعود للقتال ويشنّ هجوماً مضاداً استطاع فيه استعادة السيطرة على بيت سوا بالكامل.
وتناوب كلاً من «جيش الإسلام» و «فيلق الرحمن» على إصدار البيانات, وحمّل كل طرفٍ منهما الطرف الآخر، مسؤولية ما يحدث في الغوطة الشرقية، متجاهلين الكثير من مدنيي الغوطة الذين ارتقوا برصاص أبنائها في الفصائل المتقاتلة، وتاركين جبهات القتال ضد النظام في القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية.
قوات الأسد تنتهز الفرصة!
وقامت قوات النظام باستغلال هذا الاقتتال بين فصائل الغوطة أحسن استغلال، واستقدمت تعزيزاتٍ من مطار دمشق الدولي؛ والذي كان من الأجدر بفصائل الغوطة تحريره أو تدميره، للحدّ من تدفق الميليشيات الأجنبية المساندة للنظام، والأسلحة القادمة له عبر المطار بشكلٍ نهائيّ.
واقتحمت قوات النظام الغوطة الشرقية من عدة محاور في قطاعها الجنوبي، ووصلت إلى نقاط متقدمة وسط بلدة بالا، إضافةً لمحاولاتها اقتحام الغوطة من الجبهة الشرقية من جهة أوتوستراد « دمشق- حمص « الدولي. وتمكن أهالي القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية من المدنيين ومن بينهم عدد من النساء، إضافةً إلى عناصر من «فيلق الرحمن» وعدد قليل جداً من عناصر «جيش الإسلام»؛ الذين رفضوا ترك مواقعهم واستعانوا بفيلق الرحمن لإمدادهم بالغذاء والذخيرة، من التصدّي لقوات النظام واستعادة النقاط التي خسرها الثوار، جراء انشغالهم بالاقتتال فيما بينهم.
ولم تجد كافة محاولات وقف إطلاق النار من قبل «الهيئة العامة للغوطة الشرقية»، المشكلة من جميع القوى المدنية والمؤسسات العاملة في الغوطة، إضافةً لمبادرة «المجلس الإسلامي السوري الأعلى»، وغيرها من المبادرات لحل الخلاف بين تلك الفصائل أيّ تجاوب، وسط استمرار تعنّت قاداتها وشرعييها، وبشكلٍ خاص في جيش الإسلام وجبهة النصرة.
هذا ولا يزال الخلاف بين فصائل الغوطة قائماً، والقتال قابلاً للتجدد في أيّة لحظة، رغم سقوط أكثر من 400 قتيل من عناصر تلك الفصائل من أبناء الغوطة الشرقية، وعدد من المدنيين بينهم نساء وأطفال، ارتقوا على يد قناصة تلك الفصائل، أو رصاص بنادقهم الطائشة، أو شظايا قذائفهم.
علاوةً على تقطيع أوصال الغوطة الشرقية وتقسيمها إلى 3 قطاعات «قطاع دوما، والقطاع الأوسط، والقطاع الجنوبي»، وتشريد أكثر من 1500 عائلة من مناطق جنوب الغوطة، جراء استهداف قوات النظام لتلك المناطق بالمدفعية الثقيلة وصواريخ الأرض – أرض وبغاراتٍ من طيرانها الحربي.
بالتزامن مع استمرار محاولات قوات النظام السيطرة على مناطق جنوب الغوطة الشرقية، لفصل جنوبها عن شمالها، بغية زيادة الحصار على الغوطة الشرقية، وإضعافها وتأجيج المدنيين فيها على الفصائل العسكرية، وأملاً في العودة لاستكمال السيطرة على كامل الغوطة الشرقية.