زيتون – محمد أبو الفوز
يحتاج الخارج من معتقلات الأسد فترة علاج طبي, يتخللها برنامج غذائي معين, بعد الأيام الصعبة التي قضاها داخل المعتقل, والتي تتمثل في التعذيب، وقلة الطعام, والرعب, ولكن الفحوصات الطبية يجب تترافق مع تقديم الرعاية النفسية اللازمة كي يعود المعتقل لشخص متكيف مع نفسه ومجتمعه بشكل كامل.
فترة النقاهة:
يوضح الأخصائي النفسي «إياد تركاوي» في حديثه لـ «زيتون» ضرورة فترة النقاهة للمعتقل بعد الإفراج عنه: «إن فترة الاعتقال تعد تجربة قاسية، وتفرز أثناء وجودها حاجات ورغبات ليست أصيلة لدى المعتقل، وبسبب الفقر من كل أمر ممتع داخل المعتقل تكثر تلك الرغبات لدى المعتقل ابتداءًا من رشفة فنجان القهوة وانتهاءًا بالاستجمام والسفر، وقد قابلتُ كثيراً من الأشخاص الذين خرجوا من المعتقل وكانت أغلب رغباتهم بعد الخروج تتعلق بأمور رفاهية مثل الطعام الفاخر أو السباحة أوماشابه».
ويضيف «تركاوي»: «من تلك الحالات شاب في العشرينات من عمره اعتُقل لمدة سبعة أشهر في فرع فلسطين، وبعد الإفراج عنه بحوالي عام، شكى أهله أنه يُسرف بشكل كبير في صرف المال ويبالغ في النزهات والرحلات، ولم تعد تصرفاته بشكل عام سوية ،حتى أنه رفض الذهاب للعمل بعد الإفراج عنه».
وعن تلك الحالة يقول الأخصائي «تركاوي»: «كان تقييمي لما جرى بأنه لم يأخذ الوقت الكافي ليرتاح بعد خروجه، وإجباره على العودة للعمل فوراً وانخراطه في حياته السابقة بشكل مباشر، خلق لديه رغبات مكبوتة أثناء اعتقاله لم تتحقق، لذلك صار يسعى لتحقيقها بشكل مبالغ فيه».
نصائح للمفرج عنهم:
ينصح الأخصائيون لدى خروج المعتقل,من الضروري أن يعيش المفرج عنه فترة نقاهة تتراوح بين الشهر والشهرين والمدة قد تطول وتقصر حسب فترة الاعتقال، فكلما طالت يجب أن تكون فترة النقاهة أطول ويجب خلالها بعد الرعاية الصحية أن نهيئ جواً للمعتقل يسمح له بتحقيق تلك الرغبات الكامنة داخله، بل ونبالغ بتسليته حتى يرجع توازنه الشخصي كما كان، وحتى العمل يجب أن يكون في إجازة، ودون أي التزام حتى تنتهي تلك الفترة، أما الحاجة الداعية إلى ذلك فهي أن فترة الاعتقال التي تسبب العوز من كل شيء تبني لدى الإنسان رغبات ودوافع كثيرة، وهذه الرغبات في حال عدم تلبيتها ستصبح كامنة في اللاشعور لدى الفرد وممكن أن تصبح سبباُ لتوجيه تصرفاته وأفعاله في المستقبل، وهذا قد يسبب تغيير المجرى الطبيعي لحياة الفرد من أجل تحقيق تلك الرغبات بالإضافة إلى أن النقص في كل شيء لفترة معينة يجب أن يقابله زيادة ومبالغة في كل شيء لفترة ثم تعود الأمور للاعتدال.
«وسيم» شقيق لأحد المعتقلين المفرج عنهم يتحدث عن تجربته لـ «زيتون»: «دام اعتقال أخي عشر شهور تقريباً لم يرى فيها ضوء الشمس، خرج هزيل البنية، وجاء لزيارتي في تركيا لم يكن أخي كما أعرفه محباُ للخروج من المنزل، ولم يكن من الذين يرغبون بالنزهات وارتياد الأماكن العامة، ولكن عندما سافر إلي بعد خروجه من المعتقل وجدته شرِهاُ للطعام ويرغب في الخروج من المنزل كل يوم، ويريد أن يذهب للسباحة وللمقاهي والمطاعم، ورغم ذلك لم يكن حديثه في الفترة الأولى سوى عما حصل معه في المعتقل، وكان كل شيء جميل يذكره بالذي عاشه في الزنزانة، فكانت الشمس تذكره بالظلمة التي عاشها وكان الطعام اللذيذ يذكره بذلك الطعام في المعتقل، حتى السرير عندما يتمدد عليه كان يذكره بالبلاطات التي كان ينام عليها، واستمر الأمر به كذلك حوالي الشهر تقريباً ثم لاحظتُ أن تلك الرغبات عنده بدأت تقل وعاد تقريباُ إلى حالته الطبيعية، وحتى تلك النزهات التي كان يطلبها يومياُ لم يعد يرغب بها كثيراُ، وصار يسألني أن أقوم بتامين عمل له هنا كي يستطيع الاستقرار، هنا عرفت أن أخي عاد لوضعه الطبيعي ولما أعرفه عنه».
ويعلق أحد الأخصائيين على تلك الحالة بالقول:»من الجيد أن يلاحظ الفردالنعَم التي يعيشها ويتذكر كيف كان في حال سيء، وصار في حال جيد لكن وجود هذا الأمر بكثرة يدل على أن الشخص مازال في دائرة ذلك الحدث السابق ولم يخرج منه بشكل كامل، ولذلك كانت فترة النقاهة ضرورية كي يخرج الإنسان من ذاكرته ومن قائمة رغباته ما دخل عليها بسبب فترة الاعتقال، وهنا يعود الإنسان لاعتداله في ذكرياته وفي رغباته وتصبح تلك الفترة السابقة أشبه بدرس تعلم منه الإنسان الكثير وليس موجهاُ لكل التصرفات بما فيها الأكل والنوم والشرب».
ويضيف: «أؤكد أنه ليس لدى ذوي كل المعتقلين القدرة على إدخال المعتقل المفرج عنه في فترة نقاهة يحقق فيها كل مايريد ولكن يجب أن يبقوا متيقظين، لأن الفترة الأولى بعد الخروج من المعتقل ليست فترة طبيعية بالنسبة للمفرج عنه، ولا بد من فترة حتى يستعيد الشخص توازنه فعلى الأقل ممكن ألا يضغطوا عليه في تلك الفترة وعدم إلزامه بالعودة للعمل أو لظروف الحياة القاسية بسرعة.