زيتون – أسامة عيسى
بعد دخول الثورة السورية عامها الخامس، تستمر المستشفيات الأردنية باستقبال عشرات الجرحى السوريين يومياً، كنتيجة لعمليات القصف الممنهجة التي تمارسها قوات الأسد وحلفائها، فضلاً عن المواجهات التي لم تنقطع بين الجيش الحر والقوات الموالية، لتستمتر معها معاناة الجرحى يوماً بعد يوم، في ظل تفاقم مشاكلهم القديمة، أو بروز أخرى جديدة لم تكن قائمة.
وفي زيارة سريعة لبعض المستشفيات والمراكز الصحية الأردنية في كل من المفرق والرمثا وإربد والعاصمة عمان ومخيم الزعتري للاجئين السوريين شمال شرق محافظة المفرق، يكون المشهد للمتابع واضحاً، حيث يرقد عشرات الجرحى القادمين من الأراضي السورية، بعيدا ً عن الضوء، يحاولون التعايش مع معاناتهم بكل صبر.
“متت ألف موتة حتى وصلت إلى هذا الوضع.. أحمد الله على كل حال. كان الموت خيراً لي من أن أعيش بلا قدم في البداية، نعم تمنيتُ الموت، لكنني الآن متمسك بالحياة من لأجل أطفالي الأربعة” … بهذه الكلمات اختصر الجريح السوري م. ح من ريف درعا معاناة مئات الجرحى السوريين في الأردن.
ويضيف م. ح الذي رفض البوح باسمه في شرح معاناته: “منذ أن وصلت إلى هنا قرابة الشهر الثامن من العام 2015م وأنا لا زلت على هذه الحال، رموني بعد أن بترت ساقي في إحدى المعارك ضد قوات الأسد، ولا يوجد من يطعم أولادي الذين بقوا في سوريا.
ويتابع “الفصيل الذي كنت أقاتل فيه يبعث لهم مبلغ 10 آلاف ليرة سورية، أنا لا أريد أن أقول لك ماذا يعني هذا المبلغ لأسرة مكونة من خمسة أفراد، بإمكانك أن تسأل أي شخص متواجد في سوريا سيعطيك الجواب على ذلك.. تقول زوجتي إنه لا يكفي ثمن طعام للأولاد لمدة ثلاثة أيام، وبعدها نشحد لقمة العيش من هنا وهناك، أنا لا أقول أنني نادم على ما فعلت، بل لو عاد بي الزمن للوراء لحملت السلاح ألف مرة ووقفت في وجه النظام الذي انتهك أرضنا وعرضنا، لكن الشيء بالشيء يذكر، وأنا أشرح معاناتي كواحد من آلاف جرحى الثورة ممن لا حول لهم ولاقوة..”.
ناهد خزامة، ناشطة سورية تعمل في ملف الجرحى، تقول لـ”زيتون: “ملف الجرحى هو ملف شائك أصلاً في الثورة، نظراً لما تعتريه من إشكالات عديدة، فنقص الدعم المادي المقدم لهم، لا سيما بعد أن سحبت دول خليجية في مقدمتها قطر دعمها عنه، أدى إلى تفاقم أوضاعهم، فضلاً عن التقصير من لجان الجرحى المحلية هنا، وأقصد بها السورية، مع ما وجه لها من اتهامات بالسرقة أو الفساد أو عدم التعامل بإنسانية مع هذا الملف الحساس، ناهيك عن تعامل الائتلاف الوطني مع هذا الموضوع باستهتار” بحسب قولها.
وتتابع “حالياً لا توجد لدينا أرقام دقيقة عن الوضع العام، لكننا نعتمد على التقديرات الأولية التي تقول إن عدد الجرحى السوريين الموجودون في الأردن داخل المشافي وبعد خروجهم منها تجاوز حتى مطلع العام 2016م 22000 حالة، أما المتوسط الشهري لعدد الجرحى القادمين من داخل الأراضي السورية فقد كان يصل قبل توقيع اتفاق الهدنة إلى قرابة 30-40 حالة يومياً، وهذا العدد انخفض بعد اتفاق وقف إطلاق النار إلى أقل من النصف، بينما حافظت نسبة الوفيات على وضعها ولا زالت عند عتبة 2 % تقريباً””.
ويشكو “أبو القاسم الصالح”، وهو جريح من حمص – الرستن، متواجد في شمال الأردن، تخلف ما يسميها “لجان الجرحى” عن دفع مستحقاته منذ أن خرج من المشفى التي أتى إليها جريحاً جراء قصف النظام إحدى مناطق درعا التي كان نازحاً فيها وعائلته، الأمر الذي أدى إلى إصابته بشلل نصفي، ويتابع “هم لا يعنيهم أمرنا.. هؤلاء المسؤولين فيما تسمى لجان الجرحى، سرقونا وسرقوا مستحقاتنا، ولم يبقى لدينا ما نسد به رمقنا بعد أن وصلت بنا الأقدار إلى هذه الحال، وعندما نتكلم يقول إننا نبحث عن المال، وأن الأجر لنا هو عند الله.. أليس من حقنا أن نعيش مثل باقي الناس؟ أليس من المفروض إذا كانت لنا مستحقات من الائتلاف أو المتبرعين أن نعلم أين تذهب إذا كنا لا نأخذها.. لا نريد مال، نريد كرامتنا لا أكثر ولا أقل..!”.
كذلك تقول وداد مسلماني، وهي جريحة مصابة بتهتك أربطة في منطقة الظهر من ريف القنيطرة، إن أحد الجمعيات الخيرية قدمت لها تسهيلات العلاج والإقامة بإحدى مشافي الأردن، كما تكفلت بمصاريف عمليات أجريت لها، موضحة أنه لولا تلك الجمعية لكانت قد وصلت حالتها إلى “الهلاك بسبب عدم وجود من يتابع الجريح ويعتني به”.
وبحسب ما ذكر مصدر طبي متابع لملف الجرحى في الأردن، فضل عدم ذكر اسمه، فإن متوسط تكلفة علاج الجريح السوري الواحد تتراوح من 3500 إلى 4000 دولار أمريكي للمشافي العامة، بينما تطلب الخاصة منها مبالغ تأمين تصل إلى 5000 دينار أردني (قرابة 7000 دولار)، دون حساب تكلفة الاستشفاء الطبيعي والإغاثة المتعلقة بالجرحى بعد خروجهم من المشافي، حيث يتم وضع قسم منهم بحسب المصدر في دور رعاية، وآخرين في منازل عادية، أو منازل أقارب لهم، بينما يتم إعادة كل جريح وصل لمرحلة تقدر المصادر الطبية المحلية أنها “جيدة” إلى داخل الأراضي السورية.
بالمقابل، تتواجد عشرات الحالات في مستشفيات كل من عمان والرمثا والمفرق وإربد لمدنيين ومسلحين من الجيش الحر ممن تلقوا إصابات جعلتهم عاجزين عن الحركة أو معاقين، بعد فقدانهم لأعضاء أو إصابتهم بالشلل، وهؤلاء رفضوا الحديث عن أوضاعهم كونهم يعانون من أثار نفسية صعبة بعد إدراكهم أنهم لن يستطيعوا العودة لأحوالهم الطبيعية مجدداً، وذلك نتيجة ما قالوا إنه فشل المعنيين في متابعة أحوالهم، ليبقى ملف الجرحى السوريين في الأردن العقبة الأبرز التي تدعو القائمين عليها ومن قبلهم مؤسسات الثورة المعنية، على رأسها الائتلاف الوطني، لإعادة النظر فيها وتصويب أوضاعها بأسرع وقت.