في عام 2011 قامت ثورة في سوريا متأثرة بمد الربيع العربي الذي أعطى الشعوب الثقة بقدرتها على حكم نفسها بعيداً عن الظلم والجور الذي اكتوى بنيرانه كل أفراد وطبقات الشعب السوري , إذ ندر أن يوجد فرد في هذه الدولة إلا وفي ذاكرته الجمعية مظلمة فادحة وغبن بائن قام به هذا النظام تجاه أبناء شعبه جديرة أن تكون سبباً في اقتلاع هذا النظام.
فزحفت الجموع أفواجاً أفواجا للدخول في خضم هذه الثورة وتتالى المنتمون لهذه الثورة يعلنون تأييدهم لها على اختلاف مشاربهم وتياراتهم وأفكارهم وايدولوجياتهم , لا تجد رابطاً بين كل جزئيات هذا الخليط المعقد إلا كره النظام , فترى في صفوف الصادحين في كره الأسد أشتاتاً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
ولا أدل على صدق الثورة في تلك الأيام أكثر من شعبويتها ووصولها إلى كل بلدة وقرية بل حارة ومدرسة فإنك تجدها على حيطان المدارس وفي صفوف المعلمين وفي أغاني الطلاب وفي كلام السياسين وفي منتديات كبار السن.
لقد مثلت هذه الحالة الشعبوية طامة كبرى صعقت الأسد ومن لاذ بحماه فانبرى شياطينه يفكرون في دهاء خارق للالتفاف على هذه الثورة , فسعى إلى إخصاء هذه الحالة الشعبوية عن طريق تصفية قياداتها ومنع هذا الضجيج النشط من فرز قياداته التي تؤهله للاستمرار بنفس الخط ومنعه من الانحراف , فكانت التصفيات الجسدية قتلاً أو اعتقالاً والتصفيات الاجتماعية ببث الشائعات المسمومة على الشخص المستهدف أو التيار المقصود عن طريق جيش من الكذابين أسماه الجيش الالكتروني.
وبعد امتداد أمد الثورة وفقدانها لقادة حقيقيين يستطيعون جمع الكلمة ولمّ الصف وقع الناس في هرج ومرج وبدأ الكثيرون يدعون انحراف بوصلة الثورة بل زاد بعضهم ليقول إن الثورة قد ماتت في حين يتمسك طرف آخر بالأمل ويرون أن الثورة مزدهرة وهي في تقدم دائم ويستدلون على حياتها بأنها مازالت مستمرة
و للاقتراب أكثر من الصورة حاولنا سبر آراء عدة عينات من المجتمع فمن لم يعرف أين يقف بالتأكيد لن يعرف كيف يتقدم.
يقول محمود العلي وهو رجل أكاديمي في الأربعين من عمره شارك في الحراك السلمي وتوقف بعد تسلح الثورة : لقد كانت الثورة بأيدينا نحن السوريين عندما كانت سلمية إلا أنها بعد أن تسلحت أصبحت بيد غيرنا , لقد نصحنا الشباب كثيراً ألا يحملوا السلاح لأن الأسد سيجرنا حينها إلى ميدان يجهزه منذ أربعين سنة , وهو بالتأكيد أبرع منا فيه , انظر إلى الألوية الآن إنهم يضطرون إلى إعطاء الولاء للداعمين لأنهم مضطرون للحصول على السلاح , نعم لقد أصبحت الثورة بيد الدول الداعمة لكلا الطرفين المتقاتلين , ونحن الآن لسنا أكثر من متفرجين قد نزيد على المتفرجين بأنه يجب علينا تقديم المزيد من الجراح يومياً دون مقابل.
في حين يرى أبو نادر بائع الخضرة الخمسيني أن الحالة المعيشية السيئة التي وصلنا لها تثبت أن هذه الثورة كانت خطأً من أساسها , فهؤلاء قوم لا يُعاندون وهو يحقق رغبات كل دول العالم , وهذه الدول حريصة على إعادة إنتاجه وليس لهذا الشعب سوى الجوع والتعب.
بينما يرى سعيد العمر وهو شاب في منتصف العشرينات حمل السلاح ضد هذا النظام وترك جامعته أن هذه الثورة قامت بأمر الله والله كفيل بإتمامها , المطلوب منا الآن ألا نتوقف عما بدأنا به , ولم نحمل السلاح إلا بعد أن أجبرنا نظام الأسد على حمله , وأنا واثق أن هذه الثورة ستؤتي أُكلها في دولة العدل التي لا يظلم فيها أحد إلا أني لا أعرف كيف , وقد لا نرى ثمارها نحن وتمتد لأبنائنا ليحصدوا ثمرتها .
ويرى أبو البراء وهو عنصر في جبهة النصرة لم يبلغ العشرين : لقد حملنا السلاح لإعلاء كلمة الله , أنا لا أؤمن بكثير من العبارات التي كثيراً ما كانت تتردد في بداية الثورة , إلا أن الله سيتم نوره ولو كره الكافرون ولقد أكرمنا الله بفتح باب الجهاد الشامي الذي لن ينتهي حتى نعيد للإسلام ألقه وبريقه , وتقوم دولة الاسلام التي تدين لها دول العالم قاطبة أو نهلك دون هذه الغاية المنشودة.
ولدى سؤالنا الحاج عمر (45 سنة ) وهو رجل مقرب من أحد تيارات الاسلام السياسي قال : لقد كانت هذه الثورة منذ بدايتها بيد الدول الغربية , فالماكينة الإعلامية والقوى الناعمة لها وقع لا يستهان به على أسماع الشعوب , وكل تلك القوى مربوطة بخيوط تتلاعب بها سادة العالم , إلا أنه لا مانع من الاستفادة من تلك الثورات على سوء منشئها لتحصيل ما عجزنا عنه سابقاً.
في حين ينبري أحمد (25سنة ) قائلاً كيف لنا ألا نحرق هذه البذرة الخبيثة بعد أن فعلت بنا ما فعلت نعم يجب علينا إبادة الأسد وكل طائفته , وليكن كل العالم معهم نحن معنا الله , ولن نتوانى عن تقديم الشهداء حتى ننتقم لكل ثكلى انتحبت , وحرة تأوهت , ودمعة مسن ذرفت, ونقطة دم بريء أهرقت , نعم سنتسول من الشيطان المال والسلاح , ونزلزل الأرض من تحت أقدام هذا الخبيث هو وطائفته النجسة.
وفي النهاية ربما يعجز المتأمل عن اكتشاف الخيط الخفي الجامع الذي يربط بين تلك الآراء التي لم يجمعها في صف واحد الا النفرة من نظام سعى بكل ما أوتي من قوة إلى تدنيس المقدس وتعهير ( من العهر ) الطاهر فلقد رفع اسم العروبة ودمرها باتصاله مع دولة لم تكل عبر تاريخها من السعي لتدمير العروبة ثأرا وانتقاماً لتاريخها المسلوب , رفع اسم الوحدة ومزقها في دسائس ومكائد لدول عربية شتى , رفع اسم المقاومة والدفاع عن فلسطين ولم يكل من إزهاق أرواح الفلسطينين في لبنان وفي مخيم اليرموك , رفع اسم الاشتراكية وخبأ رؤوس أموال الدولة في جيوب خبيثة تلوذ به بقرابة أو تبعية.
ونحن نترك هنا هذا السؤال مفتوحاً لتجيب عنه الأيام القادمة
( الثورة إلى أين؟)
أحمد الأحمد