قد تبدو للوهلة الأولى فكرة الاستماع لإذاعات معارضة تبث برامجها عبر أثير العاصمة السورية فكرة غريبة، فدمشق بمثابة الحصن المنيع للنظام، إلا أن إدارة المذياع في السيارة أو المنزل على ترددات معينة ستتيح الاستماع لأخبار وأغان ثورية في أي وقت.
مع انطلاق الثورة السورية والتعتيم الإعلامي الكبير الذي فرضه النظام على الأحداث المتسارعة، وُلد عدد من الإذاعات ذات الصبغة المعارضة، حاولت نقل الوقائع وتسليط الضوء على معاناة المدنيين وتغطية حاجة السوريين الكبيرة للمعرفة، واتخذت معظم تلك الإذاعات من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو من دول الجوار مقرا لبثها.
وبازدياد عدد تلك الإذاعات حتى بلغت أكثر من عشر، اهتم بعضها -ومن بينها إذاعة “الآن” و”هوا سمارت”- بالوصول للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وعلى رأسها العاصمة دمشق ومدن كبرى أخرى مثل حلب وحمص وحماة واللاذقية، بهدف تغطية عدد أكبر وأكثر تنوعاً من المستمعين.
مديرة البرامج في إذاعة “الآن” نسرين طرابلسي تقول إن الوصول لدمشق وريفها لإيصال صوت وأخبار باقي المناطق كان لزاما على القائمين على الإذاعة، بسبب إصرار إعلام النظام على التعتيم والتغييب والادعاء بقدرته على إنهاء الثورة السورية.
برامج متنوعة
وتضيف مديرة الإذاعة -التي انبثقت عن محطة الآن التلفزيونية وأصبحت تعمل بشكل مستقل- أن العاملين في الإذاعة من منتجي أخبار ومهندسي صوت، إضافة لشبكة كبيرة من المراسلين داخل سوريا وخارجها، يحرصون على تقديم الأخبار التي تتنوع بين السياسية والميدانية والاقتصادية والإنسانية، إضافة للبرامج والتحقيقات والحوارات والتقارير والأغاني الثورية.
وتشير إلى أن هذه البرامج تهدف لتعويض النقص في المعلومات المقدمة للسوريين، وكذلك إشاعة روح الأمل لديهم ومساعدتهم على تحمل ظروف الحياة الصعبة.
وترى نسرين طرابلسي -في حديثها للجزيرة نت- أن استخدام الإذاعات بكثرة لدعم الثورة السورية إعلامياً جاء بهدف حماية الصحفيين والمراسلين الذين استهدفوا وتمت ملاحقتهم واعتقالهم منذ انطلاق الثورة، إذ يمكنهم العمل في الإذاعة بتدوين معلوماتهم عن الأحداث التي يُعاد تقديمها بشكل مُذاع حرصا على سلامتهم.
وتتابع أن سهولة التقاط البث مع انقطاع الكهرباء والاتصالات لساعات طويلة جعل من الراديو وسيلة اتصال منتشرة في ظل الحرب، حيث يمكن للمستمع حمل جهاز صغير يعمل بالبطاريات للاستماع للأخبار حتى في الملاجئ.
إلا أن العمل لا يخلو من صعوبات وتحديات -كما تقول نسرين- فأجهزة الإذاعة تعرضت للاستهداف والتدمير في مناطق سيطرة النظام وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية، لكن ذلك لم يمنع القائمين عليها من الاستمرار في العمل للوصول لجمهورها المتنوع بين مؤيدين ومعارضين ومدنيين وعسكريين.
صعوبات ومخاطر
من جهته، يؤكد عمرو الحمد -مدير مجموعة سمارت التي تدير إذاعة هوا سمارت- أن محاولة الوصول للمستمعين في ظل فرض النظام السوري ستارا من التعتيم على المناطق الخاضعة لسيطرته أمر صعب للغاية، خاصة في العاصمة دمشق، حيث يعمد للتشويش على بث الإذاعات المعارضة.
ويلفت الانتباه إلى مشاكل تواجه العمل في المناطق المحاصرة، منها قصف النظام ووجود صعوبات تقنية فضلا عن عدم القدرة على تأمين المحروقات.
ويضيف الحمد للجزيرة نت أن بث إذاعة هوا سمارت يصل إلى دمشق التي تعد ذات أهمية سياسية ورمزية للسوريين وتضم أكبر كثافة سكانية في سوريا، إضافة لغوطة دمشق ومحافظات حلب وحمص وحماة واللاذقية وإدلب، “كما نبث برامجنا عبر شبكة الإنترنت والأقمار الصناعية، وذلك إيمانا منا بضرورة الوصول لعموم السوريين وتقديم محتوى ثوري غير تقليدي بعيد عن الابتذال”.
وتقدم الإذاعة -معتمدة على كادر شاب تم تدريبه على يد محترفين ومكاتب منتشرة في أغلب المحافظات- نشرات إخبارية على مدار اليوم، وبرامج سياسية وخدمية وتقارير إخبارية وبرامج من الداخل السوري تتحدث عن هموم السوريين وآرائهم بمصير وطنهم.
ولم يسلم هذا الكادر -بحسب الحمد- من استهداف نيران النظام له، حيث لقي عدد من الشباب العاملين في الإذاعة حتفهم أثناء تغطية الأحداث.