جريدة زيتون
زيتون – أسامة عيسى
أفرزت المعارك المستمرة منذ أشهر في منطقة “حوض اليرموك” في الريف الجنوبي الغربي لدرعا انعكاسات إنسانية كبيرة، طالت شتى جوانب حياة المدنيين القابعين في المنطقة التي تشكل منذ قرابة عام هدفاً لسلسلة عمليات عسكرية متتالية تخوضها فصائل معارضة ضد خلايا “داعش” في المنطقة.
وتشير المصادر الميدانية إلى أن مجموع العمليات الهجومية التي شنتها وتشنها الفصائل المعارضة ضد أتباع التنظيم في المنطقة المتمثلين بكل من “لواء شهداء اليرموك” بالدرجة الأولى ومن ثم تنظيم “حركة المثنى الإسلامية”، بالإضافة لما يسمى “جيش الجهاد”، تركت أثارها السلبية على حياة ما يزيد عن 40 ألف مدني متواجدين في أكثر من 14 قرية وتجمع سكاني في “حوض اليرموك”، الأمر الذي ارتفعت حدته خلال الأسابيع الأخيرة بفعل الحصار الخانق الذي أطبقته الفصائل المهاجمة على المنطقة، مستهدفة – وفق ما قالت – الخلايا المبايعة للتنظيم.
ساهد عزالدين، ناشط ميداني في منطقة “حوض اليرموك” المحاصرة، يقول لـ”زيتون” إن “آلاف المدنيين المتواجدين في قرى وبلدات المنطقة باتوا حالياً عالقين بين فكي كماشة داعش والفصائل المعارضة معاً، حيث أدى الحصار إلى تدهور كلي في الأوضاع الإنسانية، ما انعكس على شتى جوانب الحياة المعيشية في المنطقة التي تعد من أشهر مناطق درعا خصوبة وانتاجاً للخضار والمحاصيل الزراعية الأخرى”.
ويرجع “عزالدين” سبب ما صرح به إلى “سياسة الفصائل المعارضة المتمثلة بالجيش الحر وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام، ورغبتها في الخلاص من خلايا داعش في المنطقة بأي ثمن كان، حتى لو كان الأمر على حساب حياة آلاف السكان والنازحين في المنطقة، ممن لا ناقة لهم ولا جمل”. على حد تعبيره.
ويتابع “الآن لا توجد أي مواد غذائية في المنطقة والوضع المعيشي أصبح ينذر بكارثة حقيقية، كذلك الحال الوضع الصحي متدهور، كما أن الفصائل المعارضة لا تسمح بخروج ودخول المدنيين ولا المحاصيل الزراعية الخاصة بهم، وهي تطوق المنطقة كلياً، سواء من جهة بلدة سحم الجولان أو من جهة بلدتي تسيل وعين ذكر، فيما وبالمقابل يعيش الناس هنا تحت التهديد بالموت في أية لحظة من قبل عناصر داعش الذي يضيقون على حريتهم في أي تصرف كان، وبالتالي فمن أين سيلقاها المدنيون؟ هم الآن في الحقيقة الخاسر الأكبر في معادلة الصراع”.
من جانبها، تقول “أم تيسير ج.” وهي نازحة من مدينة درعا في المنطقة نفسها منذ قرابة 3 أعوام: “بتنا مهددين في كل شيء الآن. على زمان بشار الأسد كنا نخاف من الطيران، الآن نخشى على حياتنا من داعش ومن القصف الجنوني الذي يقوم به الجيش الحر على المنطقة”، وتضيف “يومياً نأخذ أولادنا ونهرب إلى السهول والوديان لعلنا نحتمي من الموت.. أنا أتساءل هل الجيش الحر الذي جاء لخلاصنا لا يعلم أن في المنطقة آلاف السكان الأبرياء، أليس من المعيب أن يموت الناس في منطقة محررة على يد ثوارها أو من يدعون أنهم من ثوارها!؟ عمليات القصف يومياً توقع جرحى منا نحن الأهالي، ومن جهة أخرى داعش وعناصره يفرون إلى مواقع لا يطالها القصف بينما ينكلون بنا صباح مساء حيث أصبحت الحياة هنا جحيم بكل معنى الكلمة، هل هذا هو العدل؟”.
مصدر عسكري في “الفيلق الأول” العامل في درعا وريفها، وهو أحد أهم فصائل الجيش الحر، نفى لـ”زيتون” التهم الموجهة لفصائل “الجبهة الجنوبية” حول تنفيذها عمليات استهداف عشوائية في المناطق المتواجدة فيها خلايا “داعش”، مؤكداً أن “ما تقوم به الفصائل المهاجمة هو مجموعة عمليات أمنية وعسكرية موجهة ضد محاور ومراكز تتحصن فيها خلايا التنظيم التابعة لشهداء اليرموك وحركة المثنى الإسلامية، وهؤلاء هم من يقومون بالدخول في عمق مناطق مأهولة بالسكان لاتخاذهم دروعاً بشرية”، لافتاً إلى أن “هذا الأمر تتعامل معه فصائل الجيش الحر تحديداً بقدر كبير من الحذر وتوخي الدقة في عملياتها التي تقوم بها”.
ويشير المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن “الحرب الموجهة إلى مناطق حوض اليرموك تستهدف محاربة الفكر المتطرف وتخليص المناطق المحررة منها، كمعارك لازمة بالتوازي مع تلك المشتعلة ضد نظام الأسد والميليشيات التابعة له والمقاتلة معه”.
يشار إلى أن منطقة حوض اليرموك تقع أقصى جنوب غرب درعا، في منطقة متداخلة جغرافياً مع كل من الأراضي الأردنية وحدود الجولان السوري المحتل على تماس مع خط وقف إطلاق النار لعام 1974م، وتعد من أولى مناطق درعا التي خرجت من قبضة نظام الأسد منذ نهاية العام 2012 ومطلع 2013م، عبر مجموعة عمليات تحرير قادتها فصائل الجيش الحر، ثم بايع “لواء شهداء اليرموك” العامل فيها تنظيم “داعش” ودخل في عمليات قتالية مع الفصائل المعارضة، لا زالت مستمرة منذ أكثر من 11 شهراً، دون نتائج حاسمة لأي طرف حتى تاريخه.
