على مدى سنوات الصراع العربي الصهيوني لم يرتق سلاح الجو السوري إلى مستوى مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي وقدرته على قصف المناطق السورية المختلفة، ومنها العاصمة دمشق دون أن يلق أي شكل من المقاومة من سلاح الجو السوري، وبقي هذا السلاح خارج معادلات حساب القوة بين إسرائيل وسوريا. إلا أنه تحول إلى لاعب رئيسي وعنصر استراتيجي في قوى النظام في مواجهة القوى المعارضة من خلال دوره البارز والمميز من أجل الحفاظ على نظام الأسد، فقد أصبحت العمليات الجوية من اهم أدوات الصراع التي استخدمها النظام لضرب أي مكان في سوريا وقد ساهمت الضربات الجوية في منع قوى المعارضة من السيطرة على الأرض وتقديم الدعم للعمليات العسكرية الأخرى التي تقوم بها قوات النظام.
لقد شكل سلاح الجو أهم عوامل انعدام التوازن في الصراع لصالح النظام، ففي حين فُرض على الجيش النظامي حرب استنزاف على طول جبهات القتال مع المعارضة، وفّر سلاح الجو المرونة اللازمة والاستجابة السريعة في دعم العمليات البرية من خلال القوة النارية اللازمة لفرض الاستنزاف على قوات المعارضة والتسبب بسقوط الضحايا بين المدنيين في المناطق الواقعة ضمن نطاق سيطرة المعارضة في ذات الوقت الذي افتقدتفيه مجموعات المعارضة العسكرية لأي قدرة على مواجهة سلاح الجو وإضعاف قدرته.
على الرغم من فقدان النظام خمسة من قواعده الجوية البالغة خمس وعشرين، وحصار البعض منها والهجمات المتكررة عليها حسب تقارير المعارضة, إلا أن سلاح الجو لا يزال ذو تأثير عالٍ جداً في مجريات الصراع حيث يستخدم النظام الطائرات المقاتلة بأنواعها المختلفة من طراز «ميغ وسوخوي» والطائرات المروحية وطائرات التدريب في قصف المناطق المعارضة وتدميرها. وحسب تقارير المعارضة «تقوم القوات الجوية بأكثر من خمسين طلعة جوية قتالية يومياً», وتشير التقارير إلى دور روسيا وايران في الحفاظ على القوة الجوية للنظام من خلال تقديم المساعدات المختلفة كقطع الغيار، والصيانة والتطوير، وبذلك ما يزال الجو ساحة خاصة بالنظام وطائراته لا تحدها أي قيود يمارس من خلاله ما يشاء من عمليات تخدم أهدافه ومخططاته.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام يقوم بدمج العمليات العسكرية الجوية وقدراتها القتالية التدميرية في اطار مجريات الحرب العامة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية، حيث يستهدف على المستوى الاستراتيجي كسر إرادة الشعب وزعزعة قناعاته بالاستمرار بالثورة وإجباره على الإذعان لحكمه. كما أنه يستخدم حملاته الجوية في تدمير المدن والأحياء لجعل الحياة مستحيلة فيها، ولإظهار قوته العسكرية وضعف قدرات المعارضة مقارنة به،مثلما جرى أثناء حملته على مدينة حلب خلال شتاء 2013- 2014. أما من الناحية التكتيكية، فإن النظام يستخدم سلاح الجو في مواجهة الهجمات البرية، ومساعدة قواته التي تكون في حالات الدفاع.
تنفذ القوى الجوية مجموعة واسعة من العمليات القتالية التي تخدم أهداف النظام ومخططاته العسكرية، وقد كانت أولى مهام تلك القوى منذ انطلاقة الثورة مرهونة بالهجوم على المناطق المدنية وتدمير كل ما فيها من منازل ومرافق طبية ومرافق حساسة كالمياه والمخابز إضافة إلى تدمير المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وقد استخدم النظام في هجماته الجوية القنابل البرميلية المتفجرة التي ترمى بواسطة الطائرات المروحية. كماساهمت الضربات الجوية في تكريس الحصار على المناطق الثائرة بهدف كسر إرادة المقاومة وضرب الأهداف العسكرية الهامة من مراكز قيادة ومخازن ومعدات ومرافق أخرى مختلفة ومهاجمة السيارات المدنية بهدف شل القدرة على الحركة والعمل داخل تلك المناطق.
ولم يقتصر دور سلاح الجو السوري على ضرب الأهداف العسكرية والمدنية في المناطق الثائرة، وإنما قدمت الطائرات المقاتلة كل الدعم والمساعدة للقوات البرية وساهمت في تنفيذ مهام تلك القوات. كما أن طائرات النظام دأبت على التعويض عن قطع الطرق البرية فقامت بنقل التموين للقوات المحاصرة وأجلت العديد من الضباط والعناصر من المواقع التي كانت على وشك السقوط تحت سيطرة القوات المعارضة كما حدث في مدينة الرقة «مطار الطبقة والفرقة 17» خلال الصيف الماضي.
واستخدمت القوات الجوية كافة الإمكانات والتكتيكات القتالية المتوفرة في مهاجمة المناطق الخارجة عن سيطرتها، فالطائرات المروحية والطائرات المقاتلة من طراز ميغ وسوخوي قامت بطلعاتها المتكررة والمختلفة الأهداف مستخدمة ما توفر لها من ذخائر لترميها على المناطق المدنية «البراميل المتفجرة والقنابل الحارقة والقنابل الانشطارية، وبراميل الكلور، إضافة إلى الصواريخ الموجهة». وغالباً تجري هذه العمليات الجوية بالتنسيق مع عمليات القصف المدفعي والصاروخي التي تهدف إلى تدمير وعزل منطقة ما في محاولة اقتحامها.
إن تأثير القوات الجوية على مجريات الصراع جعلت منها واحدة من الوسائل الرئيسية القتالية لدى النظام، وتشير التقارير التي توثق الانتهاكات في سوريا إلى أن الهجمات الجوية تسببت بسقوط أكثر من 40% من الضحايا المدنيين خلال الفترة الواقعة بين آب وتشرين أول الماضي. كما أن هذه الضربات هي السبب الرئيسي في تدمير المباني والمستشفيات والمدارس وجعلها غير صالحة للحياة، ومع افتقاد المجموعات المعارضة المسلحة لوحدة القرار والهدف والبقاء في دوامة المعارك الجانبية فيما بينها، فإن المعارضة تبقى غير قادرة على تطوير قدراتها العسكرية وامتلاك السلاح الرادع للطائرات والحد من قدرتها على استهداف المناطق المحررة، ولا شك أيضاً أن استمرار غياب القرار الدولي في إقامة مناطق الحظر الجوي التي تشكل ملاذاً آمناً للمدنيين من ويلات القتال يساهم في سقوط الضحايا في صفوفهم نتيجة عربدة طيران النظام.