يقول عبد العزيز (27عاما ) انه زار كفر بطيخ احدى قرى ادلب , وبينما هو هناك بدأ ت السماء ترعد لتخرج طائرة من رحمها تبصق الجحيم على كل حياة في القرية , وبينما كنا في معمعة لهيبها تبدى لنا من بين الدخان مفجوع نزل البرميل في منزله يبحث تارة تحت الحجارة المتناثرة , وتارة في الحفر الوليدة عن أشلاء حياة ينبض بها أبناؤه , ليقف على جثة مقطوعة الرأس فيصرخ بلا صوت انه أحمد ابني الوحيد احمد , هنا يتوقف الزمن , وتعجز الحياة عن مواكبة الحياة , وينسى الإنسان حتى معاتبة الرب , فيختار القلب أقصر الطرق وأسهلها , ويسقط الأب فوق جثة ابنه , نعم لقد فارق الحياة.
وفي ظل ما عرف به هذا الشعب العظيم من إصراره على الحياة بدأت حاجاته تفرخ اختراعات تقلل عنه جحيم السماء , فهرع الكثير من أبناء هذا الأمة المغوارة ليخترعوا ضمن ما توفر لهم شبكات تواصل أُطلق عليها اسم المراصد ,
فيصعد المتطوع مكانا عاليا مشرفا يحمل معه جهاز اللاسلكي الذي يتنصت فيه على مكالمة الطيار مع قيادته , وعليه يحذر الأهالي والمقاتلين عن طريق ترددات متعارف عليها بما ينوي الطيران فعله , كما يؤمن تواصلاً مع مراصد أخرى وبهذه الطريقة يتم ربط كل المناطق فيعلم الأهالي بقدوم طائرات الموت قبيل فترة تمكنهم من الخروج من مدنهم وقراهم أو النزول الى كهوف ومغارات تحميهم لظى ذاك الموت القادم من السماء , وقد يزيد الأمر بهذه المراصد ليصل إلى زف بشارات تتضمن انتصارات في أماكن مختلفة , أو تحذيرات وقعت في مطباتها أماكن أخرى.
يقول المرصد ( أ .ش ) أنا مدني آلمني ما حل ببلدي وهوانه على الأمم , فقررت أن أنذر نفسي للتخفيف ما استطعت عن شعبي المنكوب , وتبدأ قصتي منذ عامين عندما نزل برميل بالقرب من بيتنا حصد حياة أغلى أبنائي علي , فمن يدري لو كان هناك مرصد حينها لتمكنت من استدعائه والاختباء به من براثن الموت , ولهذا قررت أن أؤمن للناس ما حرمت منه , فأخرج كل يوم من الصباح الباكر أتلفح بعباءتي وأمسك قبضتي وأتنصت على مكالمات الطيار , وتحذيرات المراصد الأخرى لأبثها لأبناء منطقتي وأنقلها إلى المراصد الأخرى البعيدة ,
فقد تمكنا بفضل الله من ربط كافة المحافظات يبعضها, تخرج الطائرة من حلب فتبدأ المراصد بنقل الخبر على هيئة جنود سليمان حتى يصل الخبر إلى العاصمة وهكذا دواليك,
وقد نصبح أداة للتواصل بين الأهالي فكثيراً ما يُنقل جريح سقط في برميل إلى تركيا دون علم ذويه فيكون إبلاغ أهله من مهمتنا , وقد يُطلب منا التعميم على بعض السيارات المسروقة لنتواصل مع الحواجز لكي يوقفوها ,
وقد أردف قائلا : إلا أننا نعاني من كثير من الصعوبات تتجلى معظمها في التشويش المتعمد على أصواتنا وتردداتنا من قبل محطات يتحكم بها النظام أو من قبل خلايا نائمة له أو ممن لا يقدِّر فيستخدم التردد لأشياء تافهة ويشوش على أصواتنا التي كثيرا ما تكون سببا في إنقاذ حياة أو توفير د.
يقول المواطن احمد الرحمون 45 سنة لقد قدّمت لنا هذه المراصد فرصة كبيرة للحذر والاحتياط فأنا لا أستطيع أن أخرج ليلا إلا ومعي القبضة التي أستمع بها إلى صوت المراصد التي تحذرنا من الطيران الذي كثيراً ما يخرج في الليل ويستهدف أنوار السيارات , ونحن لا نسمع صوته بينما نكون سائرين في السيارة , وقد أستغيث بهم إذا ما تعرضت لمكروه ليوصلوا صوتي إلى من يقدر على مساعدتي.
ويرى ( م. د) العامل بالدفاع المدني في محافظة ادلب أن المراصد وما تبذل من جهد لا يقل عزا عن الدم المبذول بين يدي وطيس المعارك.
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نحني قبعاتنا أمام من رضي بمعانقة قمم التلال حرصا على دماء لا يريد لها أن تراق,