زيتون – بشار فستق
تباع بطاقات العروض المسرحيّة بشكل إجباريّ في إدارات القطاع العامّ للمراجعين، ولا تسير معاملتك، أو يقبل طلبك، أو تحصل على وثيقتك، إلّا إذا دفعت ثمن البطاقة، وربّما يجبرك الموظّف على شراء أكثر من واحدة، وكأنّ العمليّة دفع ضريبة، أو ثمن طوابع ماليّة، مع أنّ المسرحيّة للقطاع الخاصّ.
كان أوّل من ابتدع هذه الطريقة لبيع البطاقات المسرحيّة هو «دريد لحّام» في أوائل مسرحيّاته بعد النصف الأوّل من سبعينيّات القرن الماضي، إذ كان يتحصّل على ما سمّي «تعميم»، وهو قرار إداريّ يصدر عادة عن المحافظ – طبعاً بعد الموافقات الأمنيّة أوّلاً – يتضمّن هذا التعميم ربط الإجراءات الروتينيّة لإتمام المعاملة بشراء تلك البطاقة، وإن كانت تلك الصيغة قد عُدّلت مع الزمن لتصبح السماح بالبيع وليس إجبارياً، لكنّ تخصيص نسبة بسيطة من السعر تذهب إلى الموظّف أو مدير الدائرة كشريك صغير، جعل عمليّة البيع تتحوّل إلى شكل الإجبار من جديد.
تلك العمليّة كانت تتمّ في مختلف الإدارات، ففي شعب التجنيد، حيث توزّع دفاتر ما عُرف بخدمة «العَلم»، تباع بطاقات المسرحيّات وبأسعار كبيرة قد تصل إلى 500 ليرة سوريّة (أكثر من 130 دولاراً في السبعينيّات وأوائل الثمانينيّات)، وإذا كانت البطاقات موضوعة للبيع في دوائر للاستيراد أو التصدير، أو المصارف، أو شراء الإسمنت والحديد من الحكومة، وما شابه من المواد الأساسيّة، فالأسعار تزداد ارتفاعاً.
بعدها صارت نقابة الفنّانين تصدر هكذا «تعميمات» للفرق المسرحيّة التي ترخّص لها، وانتشرت هذه الظاهرة في جميع المحافظات، وأخذت بعض الفرق تطبع بطاقات لعروض مسرحيّة وهميّة، فتباع البطاقات، لكن لا يوجد عرض. ووصلت إلى حدّ عدم وجود فرقة أصلاً، إذ تسجّل فرقة وهميّة، لها اسم وأعضاء، لكنّها لا تعمل أيّ شيء سوى بيع البطاقات، ويحصل من ألّف الفرقة على الأموال من البيع عبر التعميم الآنف الذكر، تاركاً للسماسرة من الموظّفين والمدراء والأمن، حصصهم كنسبة من الأموال.
انتقلت هذه البدعة إلى عوالم أخرى، منها مباريات كرة القدم، فصارت بطاقات الدخول إلى الملاعب تباع إجباريّاً في الدوائر الحكوميّة، من المدارس وحتّى المخافر ومؤسّسات البريد، وغيرها. كذلك كانت تباع بطاقات لمباريات وهميّة، أي أنّ المباراة لن تقام أساساً، ثمّ لفرق تلعب مع المجهول، مثل بطاقات كانت تباع في المخافر وشعب التجنيد، وقد كُتب فيها اسم فريق واحد: (مباراة بكرة القدم بين فريق الشرطة وفريق …….)، يترك المكان فارغاً!!
. أكثر ما كانت هذه التعميمات تستهدف المدارس، بسبب الأعداد الكبيرة التي يمكن أن تجبرها إدارة المدرسة على الشراء من جهة، وسهولة الاتّفاق مع المدير على نسبة السمسرة الناتجة عن الصفقة، من جهة أخرى. وقد تباع بطاقات بعناوين مختلفة للمسرحيّة ذاتها، مثل: «انسوا هيروسترات» يغيّر اسمها إلى «هيرو» أو «الخوف الرابع» لتباع بطاقات على تعميم آخر وبطاقات أخرى وهو العرض عينه. كما برز أشخاص على سويّة عالية في تسهيل هكذا ممارسات بعد «دريد لحّام»، من أمثال مدير مسرح حلب القومي «جوزيف ناشف» الذي كان يدير هكذا أعمال، مستفيداً من وظيفته الأساسيّة في وزارة الثقافة، وعضويّته للمجلس المركزيّ لنقابة الفنّانين، وكونه عضواً في لجان عديدة منها: الرقابة على النصوص وأشرطة الفيديو التي تباع وتؤجّر في المحلّات، فكان يصادر ما يُعتبر أفلاماً إباحيّة، لتظهر لدى ابنه الشابّ الذي افتتح محلّاً لبيع وتأجير أشرطة الفيديو! فأصبح بذلك المركز الرئيسيّ – وشبه الوحيد – للأفلام الإباحيّة في محافظة حلب. بالإضافة إلى نشاطات «الناشف» الأب في الإشراف على الفرق الفنّيّة التجاريّة والحفلات، ومكاتب موبوءة مخصّصة للرشوة أو الدعارة، مثل مكتب الأعراس في نقابة الفنّانين، حيث تسري الرشى بدل تسديد الرسوم، أو مكتب العقود، حيث تشغّل العاهرات القادمات من دول الاتّحاد السوفيتّيّ الصديق سابقاً، وغيرها من البلدان، وما زالت الوعود تمنح من دريد لحّام وأشباهه، بفصل هذا المكتب عن النقابة لتصبح نقابة لفنّانين وليس لبنات ليل!
يسيطر على هذه النقابة أمثال الشبّيح «زهير رمضان»، إذ لا يترك «أسعد فضّة» هذا المنصب، إلّا ليحتلّ مكانه من يبزّه فساداً وعهراً، فمن تعميم بيع البطاقات إلى اعتبار توفيق إسكندر ممثّلاً، وتسويق «أمّ البيارق» كممثّلة للشعب ومطربة؛ هذه ليست طفرات، بل هي نتيجة وصل إليها من باع كرامته، وصار جزءاً من نظام يقتل شعباً.