زيتون – ياسمين محمد
لم تكن الجوانب الاجتماعية الخاصة بحياة السوريين اليومية بمنأى عن الحرب المجنونة التي عصفت بأوجه حياتهم، لتغدو سواداً ككحل العين، ليس أولى مظاهره القتل وليس آخرها الدمار والموت بطرق متعددة، قد لا يكون للسوري نفسه خيار انتقاء بأي منها قد تنتهي حياته، إذا ما شاء القدر انتهائها.
وفي إطار مفاعيل الحرب المستمرة منذ سنوات، والتي تسبب فيها نظام الأسد بتشريد وقتل وجرح ما يزيد عن 12 مليون سوري باعتراف المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة نفسها، تتعدد ضحايا الحرب يومياً، وتأخذ كل منها حصتها من الموت، تارة مادياُ وتارات أخرى نفسياً، إذ لم يعد الموت يعني انتهاء الحياة، وإن كان يعني انقطاع النفس في الجسد، إلا أن وجوهاً أخرى لزهوق الروح قد تقتل في الإنسان حب البقاء أو الرغبة فيه، لتغدو الحياة فارغة، بعد فراق الأحبة ومن كانوا رفاق الدرب والطفولة، فضلاً عن شريك الحياة.
وفي قصة الأثار الكارثية التي رتبتها ولا زالت عمليات العنف المستمرة مع دخول الثورة السورية عامها الخامس دول حل منظور، يبدو كلا من «مصطفى خ.» و»حنان ج»، وهما شابين سوريين عاشا قصة حب، شكلت في ذاتها – كما يقولان – علاقة عذرية عابرة للدول، بعد أن استمر الحب قائماً – صامداً من حلب شمال سوريا، إلى لبنان، ومنها إلى مصر، ومن ثم إلى تركيا، التي غادر منها مصطفى لأوروبا وفيها وصل للسويد منذ قرابة تسعة أشهر، تاركاً حبيبته خلفه، على أمل اللحاق به في القريب، إلى أن أجهز على هذا الحب قرار الاتحاد الأوروبي الأخير بإغلاق حدود البلقان، مسدلاً معه الستار على قصة حب دامت أكثر من 6 سنوات.
يقول مصطفى الموجود حالياً بإحدى مقاطعات شمال السويد، إن القرار الأخير الذي وقعته كل من تركيا والاتحاد الأوروبي قضى على حلمه في وصول شريكة حياته إليه، حيث كان من المقرر أن تغادر مع جماعة من معارفه إلى السويد مع مطلع نيسان/أبريل الجاري، إلا أن الطريق أغلق كلياً، وبقيت «حنان» في مدينة إزمير التركية، فيما لا زال الشاب السوري حائراً في البحث عن مخرج ينقذ به العلاقة التي نسفتها سياسة الدول التي يصفها بأنها: «تاجرت بالسوريين ودمائهم، دون أن تعرف أي بعد إنساني».
وفي سؤال وجهته «زيتون» لمصطفى حول سبب عدم ركونه لما يعرف بـ»لم الشمل» في الدول الأوروبية، حيث يتمكن الشخص عبره من إحضار أي من أقاربه، إذا كانوا من الدرجة الأولى أو زوجه أو أي من أطفاله (بشرط أن يكونوا دون سن الثمانية عشر عاماً وضمن شروط أخرى معقدة)، يجيب:
«عن أي لم شمل تتحدث، وهل إجراء لم الشمل سهل أساساً لمن كان يملك عقد زواج. هنا يتركون اللاجىء لمدة أكثر من سنة وسنة ونصف وأحياناً أكثر، دون أن يستطيع الحصول على لم شمل لعائلته، هذا كما قلت إذا كانت أوراقه مكتملة، أما أنا فلا أملك عقد زواج، كنا سنخطب في تركيا، لكن الظروف لم تكن مساعدة، وبالتالي فلا يوجد لم شمل».
ويضيف مصطفى «ما وفرته من عمل استمر سنة كاملة في تركيا وضعته في مصاريف الطريق إلى هذه البلاد الملعونة» على حد تعبيره، ويتابع:
«أحببنا بعضنا منذ أن كنا بحلب طلاباً في الجامعة، ثم فرت مع أهلها وفررت معهم لأني أحبها إلى لبنان، ومنه لم يكن من الهين البقاء هناك نظراَ للظروف السيئة للسوريين، هربنا بعدها لمصر، وبقينا فيه سنة وشهرين تقريباً، ثم عدنا لتركيا، وطلبت يدها ووافقوا أهلها، وكاد الحلم أن يكتمل.. لكن اضطررت لترك تركيا ولم أستطع إخراجها معي لأن المال غير متوفر..».
ويروي الشاب السوري البالغ من العمر 32 عاماً، أنه ومنذ وصوله للسويد راجع دائرة الهجرة المسؤولة عن طالبي اللجوء من السوريين وغيرهم، وأخبرهم بقصته، يقول مصطفى إنه بكى أمامهم، إلا أن كل مشاعره لم تكن كفيلة بتحريك ملفه في «الهجرة» السويدية، بل لا زال ينتظر منذ قرابة تسعة أشهر حصوله على موعد للإقامة، دون جدوى حتى تاريخه.
ويعتبر «مصطفى» أن المخرج الوحيد لحل قصته هو أن يغادر السويد، ويعود إلى تركيا لينقذ ما يصفه بـ «حلم العمر»، ويردف «كل حياتي وكل عمري معلق بها، لا يمكن أن أتخيل أن أعيش بدونها، ليس من الممكن على الإنسان أن يحطم كل ما في قلبه من مشاعر.. أنا لا أستطيع البقاء أكثر.. سأعود إليها والله لن ينسانا..».
الجدير بالذكر أن القرار الأخير الذي أغلق بموجبه طريق البلقان، والذي جاء عقب إبرام اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي، لم ينه فقط حلم «مصطفى «و»حنان»، بل يقول سوريون لاجئون في أوروبا إن عدداً كبيراً منهم وقع في مأزق مماثل، حيث لا يمكنهم العودة، لا سيما ممن قدم منهم من سوريا، ولا يمكنهم البقاء أيضاً منتظرين لم شمل قد يطول لسنوات.