تضاربت الأنباء الواردة من مدينة منبج، والتي تعتبر أكبر مدن الريف الحلبي الشرقي، عن قيام «قوات سوريا الديمقراطية» بالحشد العسكري في محيط سد تشرين بهدف التقدم الى مدينة منبج. ونشرت صفحات مقربة من هذه القوات أن معركة «منبج الكبرى» ستبدأ خلال أيام.
وأكد ناشط إعلامي من مدينة منبج (فضل عدم ذكر اسمه) أن طيران التحالف الدولي «قصف بشدة مناطق عدة تحت سيطرة تنظيم داعش في قرية حريجة ومحيط بلدة أبو قلقل الواقعة على الطريق بين منبج وسد تشرين، مكان تمركز قوات قوات سوريا الديمقراطية». وتتزامن التحضيرات مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مما يثير علامات استفهام كثيرة عن صحة هذه المعركة. فتركيا تعتبر أي تقدم لقوات سوريا الديمقراطية في منطقة غرب الفرات تهديداً لأمنها القومي في عمق «المنطقة الآمنة» التي حاولت إقامتها قبل عام، ومنعتها واشنطن. وتمتد المنطقة على طول 100 كم غرب الفرات في جرابلس ومنبج وصولاً الى اعزاز.
من جهته، كثف تنظيم «الدولة الإسلامية» الدورات الشرعية وخطب المساجد في مدينة منبج بهدف حثهم على التطوع في صفوفه، وبث الخوف في قلوب أهالي المدينة من قدوم «الأكراد». كما ربط وجوده بوجود الأهالي، مستغلاً الاتهامات الكثيرة التي وجهت الى وحدات حماية الشعب (أبرز مكونات قوات سوريا الديمقراطية) بتهجيرها المواطنين العرب شرق الفرات في بلدات صرين والشيوخ بعد عملية «تحرير جنوب كوباني»، أواخر العام الفائت، حيث أتهمت منظمة العفو الدولية قوات حماية الشعب بارتكابها جرائم «التهجير القسري».
وتعد العملية العسكرية باتجاه منبج إنقلاباً امريكياً على مجمل التفاهمات مع تركيا في حال حدوثها، وستؤدي الى أزمة حقيقة، قد تدفع تركيا لإغلاق قاعدتها الجوية في انجرليك في وجه طيران التحالف الدولي الذي يعمل على تهديد أمنها القومي، من خلال التمهيد الجوي لقوات سوريا الديمقراطية. فالتغطية الجوية تعد أهم العوامل التي تساعد «أعداء تركيا» في السيطرة على الشريط الحدودي السوري المحاذي لأراضيها الجنوبية. وكانت الولايات المتحدة وتركيا قد اتفقتا في وقت سابق على إدخال فصائل معتدلة من المعارضة العسكرية السورية لقتال تنظيم «الدولة الإسلامية» من منطقة جرابلس على الحدود التركية – السورية. لكن تضارب برنامجي وزارة الدفاع الأمريكية و المخابرات المركزية الأمريكية في دعم المعارضة المسلحة السورية أخر عملية الدعم. ويبدو أن هذا التضارب قد أصبح حقيقة فضح أمرها بعد نشر صحيفة لوس انجلس تايمز تحقيقاً عن دعم أمريكا لطرفين متقاتلين في آن واحد، وهو ما يحدث بين فصائل الجيش الحر وقوات سوريا الديمقراطية في محيط إعزاز.
التحرك المحتمل لقوات سوريا الديمقراطية سيقطع طريق الإمداد المتبقي لمقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» والذي يصل ريفي حلب الشمالي والشرقي في الرقة. ومن المرجح أن تتجنب القوات هذا السيناريو وتسلك الطريق المحاذي للنهر شمالاً الى جرابلس، لتبقي طريقاً للتنظيم ينسحب منه إلى الرقة، فحصاره بدون فتح طريق له للانسحاب يعني عسكرياً دفعه للتمترس والاستماتة في الدفاع عن أراضيه، الأمر الذي سيكلف قوات سوريا الديمقراطية خسائر بشرية كبيرة.
حرب الإشاعات التي بدأها نشطاء مقربون من القوات دفعت ببعض الأسر الى النزوح وأن تجنب نفسها وأطفالها معركة «منبج الكبرى». وقال رئيس مجلس محافظة حلب الحر، منذر سلال، في حديث مع «القدس العربي»: « تستمر موجات النزوح من مناطق ريف حلب الشمالي باتجاه اعزاز، فبعد موجة نزوح أهالي تدمر، بدأت موجة أخرى بعد اشاعات عن بدء تقدم قوات سوريا الديمقراطية الى منبج». وأضاف سلال أن منطقة اعزاز «تشهد كثافة بشرية لا يمكن تخيلها، فهي شهدت ثلاث موجات نزوح في أقل من ثلاثة أشهر».
وبعد أسابيع على سريان وقف «الأعمال العدائية»، تشير المعطيات الى رغبة الراعيين الدوليين، أمريكا وروسيا، في التفرد بسير المجريات على الأرض، وإعادة رسم خارطة تُحسّن شروط حليف كل منهما على حساب تنظيم «الدولة الإسلامية». وهذا ما قامت به روسيا حيث وضعت ثقلها كي يستعيد النظام السوري مدينة تدمر، ويبدو أن أمريكا جادة أيضاً في دفع قوات سوريا الديمقراطية لتطرد التنظيم من ريف حلب، فيما تتكاسل واشنطن عن التغطية الجوية لفصائل الجيش الحر في مارع واعزاز.
المصدر : القدس العربي